كتاب المزارعة

المزارعة هي المعاملة على الأرض بالزراعة بحصة من حاصلها.
يعتبر في المزارعة اُمور:
الأول: الإيجاب من المالك والقبول من الزارع بكل ما يدل على تسليم الأرض للزراعة، وقبول الزارع لها من لفظ كقول المالك للزارع مثلاً: سلمت إليك الأرض لتزرعها، فيقول الزارع: قبلت أو فعل دال على تسليم الأرض للزارع وقبول الزارع لها من دون كلام ولا يعتبر فيها العربية والماضوية كما لا يعتبر تقديم الإيجاب على القبول ولا يعتبر أن يكون الإيجاب من المالك والقبول من الزارع بل يجوز العكس.
الثاني: أن يكون كل من المالك والزارع بالغاً وعاقلاً ومختاراً وأن يكون المالك غير محجور عليه لسفه أو فلس وكذلك العامل إذا استلزم تصرفاً مالياً.
الثالث: أن يكون نصيبهما من تمام حاصل الأرض فلو جعل لأحدهما أول الحاصل وللآخر آخره بطلت المزارعة، وكذا الحال لو جعل الكل لأحدهما.
الرابع: أن تجعل حصة كل منهما على نحو الإشاعة كالنصف والثلث ونحوهما فلو قال للزارع ازرع واعطني ما شئت لم تصح المزارعة وكذا لو عين للمالك أو الزارع مقدار معين كعشرة أطنان.
الخامس: تعيين المدة بالأشهر أو السنين أو الفصل بمقدار يمكن حصول الزرع فيه، وعليه فلو جعل آخر المدة إدراك الحاصل بعد تعيين أوّلها كفى في الصحة.
السادس: أن تكون الأرض قابلة للزرع ولو بالعلاج والإصلاح وأما إذا لم تكن كذلك كما إذا كانت الأرض سبخة لا يمكن الانتفاع بها أو نحوها بطلت المزارعة.
السابع: تعيين الزرع إذا كان بينهما اختلاف نظر في ذلك وإلاّ لم يلزم التعيين.
الثامن: تعيين الأرض وحدودها ومقدارها فلو لم يعينها بطلت وكذا إذا لم يعين مقدارها نعم لو عين كلياً موصوفاً على وجه لا يكون فيه غرر كمقدار جريب من هذه القطعة من الأرض التي لا اختلاف بين أجزائها صحت.
التاسع: تعيين ما عليهما من المصارف كالبذر ونحوه بأن يجعل على أحدهما أو كليهما ويكفي في ذلك المتعارف الخارجي لانصراف الإطلاق إليه.
(مسألة 485): يجوز للعامل أن يزرع الأرض بنفسه أو بغيره أو بالشركة مع غيره هذا فيما إذا لم يشترط المالك عليه المباشرة وإلاّ لزم أن يزرع بنفسه.

(مسألة 486): لو أذن شخص لآخر في زرع أرضه على أن يكون الحاصل بينهما بالنصف أو الثلث أو نحوهما فهل هو من المزارعة المصطلحة أو لا؟ وجهان والأظهر أنه لا يكون من المزراعة ما لم يتعهد العامل بالزرع والإذن المذكور على أن يكون الحاصل بينهما بالمناصفة ونحوها بنحو شرط النتيجة لا يخلو عن إشكال، وكذلك الحال لو أذن لكل من يتصدى للزرع وإن لم يعين شخصاً معيناً بأن يقول: لكل من زرع أرضي هذه نصف حاصلها أو ثلثه.

(مسألة 487): يجوز اشتراط مقدار معين من الحاصل لأحدهما وتقسيم الباقي بينهما بنسبة معينة إذا علما ببقاء شيء من الحاصل بعد استثناء ذلك المقدار كما يجوز استثناء مقدار البذر لمن كان منه أو استثناء مقدار خراج السلطان أو ما يصرف في تعمير الأرض.

(مسألة 488): إذا عين المالك نوعا خاصاً من الزرع من حنطة أو شعير أو نحو ذلك في ضمن عقد المزارعة تعين ذلك على الزارع فلا يجوز له التعدي عنه ولكن لو تعدى إلى غيره وزرع نوعاً آخر منه فللمالك الخيار بين الفسخ والإمضاء فإن فسخ رجع على العامل باُجرة مثل المنفعة الفائتة للأرض. وأما الحاصل فهو للعامل إن كان البذر له وإن كان للمالك فله المطالبة ببدله أيضاً وعلى تقدير البذل كان الحاصل للعامل أيضاً وليست له مطالبة المالك باُجرة العمل مطلقاً. هذا إذا علم المالك بذلك بعد بلوغ الحاصل، وأما إذا علم به قبل بلوغه فله المطالبة ببدل المنفعة الفائتة وإلزام العامل بقطع الزرع أو إبقائه بالاُجرة أو مجاناً إن كان البذر له وأما إذا كان للمالك فله المطالبة ببدل المنفعة الفائتة وبدل البذر أيضاً ومع بذله يكون الزرع للعامل. هذا إذا كان على نحو الاشتراط بأن صرّحا في عقد المزارعة بالمشاركة في الحاصل من أيّ زرع كان و مع ذلك على الزارع أن يزرع الحنطة مثلاً، وأما إذا كان التعيين على نحو التقييد بطلت المزارعة، وحكمه ما تقدم في فرض الفسخ.

(مسألة 489): إذا ظهر بطلان المزارعة بعد الزرع فإن كان البذر للمالك كان الزرع له وعليه للزارع ما صرفه من الأموال، وكذا اُجرة عمله واُجرة الآلات التي استعملها في الأرض وإن كان البذر للزارع فالزرع له وعليه للمالك اُجرة الأرض وما صرفه المالك واُجرة أعيانه التي استعملت في ذلك الزرع. ثم إن رضي المالك والزارع ببقاء الزرع في الأرض بالاُجرة أو مجاناً فهو، وإن لم يرض المالك بذلك جاز له إجبار الزارع على إزالة الزرع وإن لم يدرك الحاصل وتضرر بذلك وليس للزارع إجبار المالك على بقاء الزرع في الأرض ولو باُجرة كما أنه ليس للمالك إجبار الزارع على إبقاء الزرع في الأرض ولو مجاناً. وكذلك الحال فيما إذا انقضت مدة المزارعة الصحيحة ولم يدرك الحاصل.

(مسألة 490): يصح أن يشترط أحدهما على الآخر شيئاً على ذمته من ذهب أو فضة أو نحوهما مضافاً إلى حصته.

(مسألة 491): المزارعة عقد لازم لا ينفسخ إلاّ بالتقايل أو الفسخ بخيار الشرط أو بخيار تخلف بعض الشروط المشترطة فيه ولا ينفسخ بموت أحدهما فيقوم الوارث مقامه. نعم، ينفسخ بموت الزارع إذا قيدت المزارعة بمباشرته للعمل.

(مسألة 492): إذا ترك الزارع الأرض بعد عقد المزارعة فلم يزرع حتى انقضت المدة فإن كانت الأرض في تصرفه وكان تركه بلا عذر ولم يمكنه إرجاعها إلى المالك ضمن اُجرة المثل للمالك ولا فرق في ضمانه في هذه الصورة بين أن يكون المالك عالماً بالحال وأن يكون غير عالم وإن لم تكن الأرض تحت يده بل كانت تحت يد المالك فحينئذ إن كان المالك مطلعاً على ذلك فالظاهر عدم ضمان الزارع، وإن لم يكن المالك مطلعاً فالظاهر ضمانه.

(مسألة 493): يجوز لكل من المالك والزارع أن يخرص الزرع بعد إدراكه بمقدار معين منه بشرط رضا الآخر به، وعليه فيكون الزرع للآخر وله المقدار المعين ولو تلف الزرع أو بعضه كان عليهما معاً.

(مسألة 494): إذا غرقت الأرض قبل القبض أو بعده قبل ظهور الزرع أو قبل إدراكه بطلت المزارعة وإذا غرق بعضها تخير المالك والعامل في الباقي بين الفسخ والإمضاء.

(مسألة 495): الأقوى عدم جواز عقد المزارعة بين أكثر من اثنين بأن تكون الأرض من واحد، والبذر من آخر، والعمل من ثالث، والعوامل من رابع، وكذا الحال إذا وقع العقد بين جماعة على النحو المذكور.

(مسألة 496): لا فرق في صحة عقد المزارعة بين أن يكون البذر من المالك أو العامل أو منهما معاً، ولكن كل ذلك يحتاج إلى تعيين وجعل في ضمن العقد إلاّ أن يكون هناك متعارف ينصرف إليه الإطلاق. وكذا لا فرق بين أن تكون الأرض مختصة بالمزارع أو مشتركة بينه وبين العامل، كما أنه لا يلزم أن يكون تمام العمل على العامل فيجوز أن يكون عليهما وكذا الحال في سائر التصرفات والآلات، كما يجوز أن يكون البذر من شخص والأرض والعمل من شخص آخر. والضابط أن كل ذلك تابع للجعل في ضمن العقد.

(مسألة 497): إذا وجد مانع في الأثناء قبل ظهور الزرع أو قبل بلوغه وإدراكه كما إذا انقطع الماء عنه ولم يمكن تحصيله أو استولى عليه الماء ولم يمكن قطعه أو وجد مانع لم يمكن رفعه فالظاهر بطلان المزارعة من الأول لكشفه عن عدم قابلية الأرض للزراعة وعليه فيكون الزرع الموجود لصاحب البذر فإن كان البذر للمالك فعليه اُجرة مثل عمل العامل وان كان للعامل فعليه اُجرة مثل أرضه.

(مسألة 498): إذا كانت الأرض التي وقعت المزارعة عليها مغصوبة وكان البذر من العامل بطلت المزارعة بالإضافة إلى المزارع فإن أجاز المالك عقد المزارعة وقع له وإلاّ كان الزرع للزارع وعليه اُجرة المثل لمالك الأرض وإذا انكشف الحال قبل بلوغ الزرع وإدراكه كان المالك مخيراً أيضاً بين الإجازة والرد فإن ردّ فله الأمر بالازالة أو الرضا ببقائه ولو باُجرة وعلى الزارع اُجرة المثل بالنسبة إلى ما مضى.

(مسألة 499): تجب على كل من المالك والزارع الزكاة إذا بلغت حصة كل منهما حد النصاب وتجب على أحدهما إذا بلغت حصته كذلك. هذا إذا كان الزرع مشتركاً بينهما من الأول أو من حين ظهور الثمر قبل صدق الاسم. وأما إذا اشترطا الاشتراك بعد صدق الاسم أو من حين الحصاد والتصفية فالزكاة على صاحب البذر سواء أكان هو المالك أم العامل.

(مسألة 500): الباقي في الأرض من اُصول الزرع بعد الحصاد وانقضاء المدة إذا نبت في السنة الجديدة وأدرك فحاصله لمالك الأرض إن لم يشترط في عقد المزارعة اشتراكهما في الاُصول.

(مسألة 501): إذا اختلف المالك والزارع في المدة فادعى أحدهما الزيادة والآخر القلة فالقول قول منكر الزيادة ولو اختلفا في الحصة قلة وكثرة فالقول قول صاحب البذر المدعي للقلة. وأما إذا اختلفا في اشتراط كون البذر أو العمل أو العوامل على أيهما فالمرجع التحالف ومع حلفهما أو نكولهما تنفسخ المعاملة.

(مسألة 502): الزارع إذا قصر في تربية الأرض فقلّ الحاصل لم يبعد ضمانه التفاوت فيما إذا كان البذر للمالك. وأما إذا كان للعامل وكان التقصير قبل ظهور الزرع فلا ضمان وكذا إذا كان التقصير بعد ظهوره وكان الشرط المشاركة في الحاصل لا من حين ظهور الزرع ولكن للمالك حينئذ الفسخ والمطالبة باُجرة المثل للأرض.

(مسألة 503): لو ادعى المالك على الزارع عدم العمل بما اشترط عليه في ضمن عقد المزارعة من بعض الأعمال أو ادعى تقصيره فيه على وجه يضر بالزراعة أو تقصيره في الحفظ أو نحو ذلك وأنكره الزارع فالقول قوله. وكذلك الحال في كل مورد ادعى أحدهما شيئاً وأنكره الآخر ما لم يثبت ما ادعاه شرعا.

(مسألة 504): إذا أوقع المتولي للوقف عقد المزارعة على الأرض الموقوفة على البطون إلى مدة حسب ما يراه صالحا لهم لزم ولا يبطل بالموت، وأما إذا أوقعه البطن المتقدم من الموقوف عليهم ثم مات في الأثناء قبل انقضاء المدة بطل العقد من ذلك الحين إلاّ إذا أجاز البطن اللاحق.

(مسألة 505): يجوز لكل من المالك والعامل بعد ظهور الحاصل أن يصالح الآخر عن حصته بمقدار معين على نحو الكلي في الذمة أو في المعين الآخر من جنسه أو غير جنسه فإنّ الحاصل قبل الحصاد ليس من المكيل أو الموزون و أمّا إذا عُيّنت الحصّة بمقدار معيّن من الحاصل ولو بنحو الكلّي في المعين فيحتاج إلى التخمين بحسب المتعارف في الخارج كما يجوز ذلك قبل ظهور الحاصل مع الضميمة.

(مسألة 506): لا يعتبر في عقد المزارعة على الأرض أن تكون قابلة للزرع من حين العقد وفي السنة الاُولى بل يصح العقد على أرض بائرة وخربة لا تصلح للزرع إلاّ بعد إصلاحها وتعميرها سنة أو أكثر. وعليه فيجوز للمتولي أن يزارع الأراضي الموقوفة وقفاً عاماً أو خاصاً التي أصبحت بائرة إلى عشر سنين أو أقل أو أكثر حسب ما يراه صالحاً.

كتاب المساقاة

المساقاة هي اتفاق شخص مع آخر على سقي أشجار مثمرة وإصلاح شؤونها إلى مدة معينة بحصة من أثمارها ويشترط فيها اُمور:
الأول: الإيجاب والقبول ويكفي فيه كل ما يدل على المعنى المذكور من لفظ أو فعل أو نحوهما ولا تعتبر فيها العربية ولا الماضوية.
الثاني: البلوغ والعقل والاختيار وأما عدم الحجر لسفه أو فلس فهو إنما يعتبر في المالك دون العامل محضاً.
الثالث: أن تكون اُصول الأشجار مملوكة عيناً ومنفعة أو منفعة فقط أو يكون تصرفه فيها نافذاً بولاية أو وكالة أو تولية.
الرابع: أن تكون معلومة ومعينة عندهما.
الخامس: تعيين مدة العمل فيها إما ببلوغ الثمرة المساقى عليها، وإما بالأشهر أو السنين بمقدار تبلغ فيها الثمرة غالباً فلو كانت أقل من المقدار بطلت المساقاة.
السادس: تعيين الحصة وكونها مشاعة في الثمرة فلا يجوز أن يجعل للعامل ثمرة شجر معين دون غيره. نعم، يجوز اشتراط مقدار معين كطن من الثمرة مثلاً بالاضافة إلى الحصة المشاعة لأحدهما إذا علم وجود ثمرة غيرها.
السابع: تعيين ما على المالك من الاُمور وما على العامل من الأعمال ويكفي الانصراف إذا كان قرينة على التعيين.
الثامن: أن تكون المساقاة قبل ظهور الثمرة أو بعده قبل البلوغ إذا كان محتاجاً إلى السقي ونحوه، وأما إذا لم يحتج إلى ذلك فصحتها بلحاظ القطف والحفظ محل إشكال ولكن لا بأس باستيجار الغير على القطف والحفظ بحصّة من الثمرة لكون الثمرة على الشجرة تعيّن بالمشاهدة وكذا فيما إذا كان بنحو الجعالة.
التاسع: أن تكون الأشجار مثمرة فلا تصح المساقاة على الأشجار غير المثمرة كالصفصاف والغَرَب ونحوهما بل صحتها على الشجر الذي ينتفع بورقه كالحناء ونحوه لا تخلو عن إشكال، ولا يبعد وقوع المساقاة على اُصول غير ثابتة كالبطيخ والباذنجان ونحوهما خصوصاً مع الضميمة إلى ما هو أصله ثابت.
(مسألة 507): يصح عقد المساقاة في الأشجار المستغنية عن السقي بالمطر أو بمص رطوبة الأرض إذا حتاجت إلى أعمال اُخرى.

(مسألة 508): يجوز اشتراط شيء من الذهب أو الفضة للعامل أو المالك زائداً على الحصة من الثمرة، وهل يجب الوفاء به إذا لم تسلم الثمرة؟ قولان بل أقوال أظهرها العدم وذلك لعدم صحّة المساقاة مع عدم ظهور الثمرة فلا موجب لوجوب الوفاء بالشرط سواء كان الشرط للمالك أو عليه ويلحق بذلك ما إذا كان عدم ظهور الثمرة في قسم من الأشجار فإنه تبطل المساقاة بالإضافة إليها ومع بطلانها بالإضافة إليها لا يحصل الموضوع للاشتراط حيث إن الشرط ظاهره تمام المساقاة في الكل إلاّ مع القرينة على خلاف ذلك.

(مسألة 509): يجوز تعدد المالك واتحاد العامل فيساقي الشريكان عاملاً واحداً، ويجوز العكس فيساقي المالك الواحد عاملين بالنصف له مثلاً والنصف الآخر لهما ويجوز تعددهما معاً.

(مسألة 510): خراج الأرض على المالك وكذا بناء الجدران وعمل الناضح ونحو ذلك مما لا يرجع إلى الثمرة وإنما يرجع إلى غيرها من الأرض أو الشجرة.

(مسألة 511): يملك العامل مع إطلاق العقد الحصة في المساقاة من حين ظهور الثمرة وإذا كانت المساقاة بعد الظهور ملك الحصة من حين تحقق العقد.

(مسألة 512): الظاهر أن عقد المغارسة باطل وهي أن يدفع شخص أرضه إلى غيره ليغرس فيها على أن تكون الأشجار المغروسة بينهما بالسوية أو بالتفاضل على حسب القرار الواقع بينهما. فإذا اتفق وقوعها كان الغرس لمالكه فإن كان هو مالك الأرض استحق العامل عليه اُجرة مثل عمله وإن كان هو العامل استحق عليه مالك الأرض اُجرة مثل أرضه ولكن ليس له إجبار مالك الأرض على إبقائها ولو باُجرة بل وجب عليه قلعها إن لم يرض المالك ببقائها، كما أن عليه طم الحفر التي تحدث في الأرض بذلك وليس على المالك نقص الأشجار بالقلع نعم لو قلعها المالك فنقصت وعابت ضمن تفاوت القيمة.

(مسألة 513): يبطل عقد المساقاة بجعل تمام الحاصل للمالك ومع ذلك يكون تمام الحاصل والثمرة له وليس للعامل مطالبته بالاُجرة حيث إنه أقدم على العمل في هذه الصورة مجاناً، وأما إذا كان بطلان المساقاة من جهة اُخرى وجب على المالك أن يدفع للعامل اُجرة مثل ما عمله حسب المتعارف.

(مسألة 514): عقد المساقاة لازم لا يبطل ولا ينفسخ إلاّ بالتقايل والتراضي أو الفسخ ممن له الخيار ولو من جهة تخلف بعض الشروط التي جعلاها في ضمن العقد أو بعروض مانع موجب للبطلان.

(مسألة 515): إذا مات المالك قام وارثه مقامه ولا تنفسخ المساقاة وإذا مات العامل قام وارثه مقامه إن لم تؤخذ المباشرة في العمل قيداً فإن لم يقم الوارث بالعمل ولا استأجر من يقوم به فللحاكم الشرعي أن يستأجر من مال الميت مَنْ يقوم بالعمل ويقسم الحاصل بين المالك والوارث. وأما إذا اُخذت المباشرة في العمل قيداً انفسخت المعاملة.

(مسألة 516): مقتضى إطلاق عقد المساقاة كون الأعمال التي تتوقف تربية الأشجار وسقيها عليها والآلات مشتركة بين المالك والعامل بمعنى أنهما عليهما لا على خصوص واحد منهما. نعم، إذا كان هناك تعيين أو انصراف في كون شيء على العامل أو المالك فهو المتبع.
والضابط أن كون عمل خاص أو آلة خاصة على أحدهما دون الآخر تابع للجعل في ضمن العقد بتصريح منهما أو من جهة الانصراف من الإطلاق وإلاّ فهو عليهما معاً.

(مسألة 517): إذا خالف العامل فترك ما اشترط عليه من بعض الأعمال فللمالك إجباره على العمل المزبور كما أن له حق الفسخ وإن فات وقت العمل فله الفسخ من جهة تخلف الشرط وليس له أن لا يفسخ ويطالبه باُجرة العمل بالإضافة إلى حصته على الأظهر الأقوى.

(مسألة 518): لا يعتبر في المساقاة أن يكون العامل مباشراً للعمل بنفسه إن لم يشترط عليه المباشرة فيجوز له أن يستأجر شخصاً في بعض أعمالها أو في تمامها وعليه الاُجرة، كما أنه يجوز أن يشترط كون اُجرة بعض الأعمال على المالك.

(مسألة 519): إذا كان البستان مشتملاً على أنواع من الأشجار كالنخل والكرم والرمان ونحوها من أنواع الفواكه فلا يعتبر العلم بمقدار كل واحد من هذه الأنواع تفصيلاً في صحة المساقاة عليها بل يكفي العلم الإجمالي بها على نحو يرتفع معه الغرر بل وإن لم يرتفع معه الغرر أيضاً.

(مسألة 520): لا فرق في صحة المساقاة بين أن تكون على المجموع بالنصف أو الثلث أو نحوهما وبين أن تكون على كل نوع منها بحصة مخالفة لحصة نوع آخر كأن تجعل في النخل النصف مثلاً، وفي الكرم الثلث، وفي الرمان الربع وهكذا.

(مسألة 521): قيل تصح المساقاة مردداً مثلاً بالنصف إن كان السقي بالناضح، وبالثلث إن كان السقي بالسيح، ولا يضر هذا المقدار من الجهالة بصحتها ولكن الأظهر عدم الصحة كما في الإجارة.

(مسألة 522): إذا تلف بعض الثمرة فهل ينقص عما اشترط أحدهما على الآخر من ذهب أو فضة أو نحوهما بنسبة ما تلف من الثمرة أم لا وجهان الأقوى الثاني.

(مسألة 523): إذا ظهر بطريق شرعي أن الاُصول في عقد المساقاة مغصوبة فعندئذ إن أجاز المالك المعاملة صحت المساقاة بينه وبين العامل وإلاّ بطلت وكان تمام الثمرة للمالك وللعامل اُجرة المثل يرجع بها إلى الغاصب.

(مسألة 524): إذا كان ظهور غصب الاُصول بعد تقسيم الثمرة وتلفها فعندئذ للمالك أن يرجع إلى الغاصب فقط بتمام عوضها وله أن يرجع إلى كل منهما بمقدار حصته وليس له أن يرجع إلى العامل بتمام العوض.

(مسألة 525): تجب الزكاة على كل من المالك والعامل إذا بلغت حصة كل منهما حد النصاب فيما إذا كانت الشركة قبل زمان الوجوب وإلاّ فالزكاة على المالك فقط.

(مسألة 526): إذا اختلف المالك والعامل في اشتراط شيء على أحدهما وعدمه فالقول قول منكره.

(مسألة 527): لو اختلف المالك والعامل في صحة العقد وفساده قدم قول مدعي الصحة.

(مسألة 528): لو اختلف المالك والعامل في مقدار حصة العامل فالقول قول المالك المنكر للزيادة وكذا الحال فيما إذا اختلفا في المدة. وأما إذا اختلفا في مقدار الحاصل زيادة ونقيصة بأن يطالب المالك العامل بالزيادة فالقول قول العامل ولا تسمع دعوى المالك على العامل الخيانة أو السرقة أو الاتلاف أو كون التلف بتفريط منه ما لم تثبت شرعاً بعد ما كان المفروض أن العامل كان أميناً له.

كتاب الجعالة

الجعالة من الإيقاعات لابد فيها من الإيجاب عاماً مثل: من رد عبدي الآبق أو بنى جداري فله كذا، أو خاصاً مثل إن خطت ثوبي فلك كذا. ولا يحتاج إلى القبول لأنها ليست معاملة بين طرفين حتى يحتاج إلى قبول بخلاف المضاربة والمزارعة والمساقاة ونحوها. وتصح على كل عمل محلل مقصود عند العقلاء. ويجوز أن يكون مجهولاً كما يجوز في العوض أن يكون مجهولاً إذا كان بنحو لا يؤدي إلى التنازع مثل: من ردّ عبدي فله نصفه أو هذه الصبرة أو هذا الثوب. وإذا كان العوض مجهولاً محضاً مثل من رد عبدي فله شيء بطلت وكان للعامل اُجرة المثل.
(مسألة 529): إذا تبرع العامل بالعمل فلا اُجرة له، سواء أجعل لغيره أم لم يجعل.

(مسألة 530): يجوز أن يكون الجعل من غير المالك كما إذا قال: من خاط ثوب زيد فله درهم فإذا خاطه أحد لزم القائل الدرهم دون زيد.

(مسألة 531): يستحق الجعل بالتسليم إذا كان المجعول عليه التسليم أما إذا كان المجعول عليه غيره كما إذا قال: من أوصل عبدي إلى البلد كان له درهم استحق العامل الدرهم بمجرد الإيصال إلى البلد وإن لم يسلمه إلى أحد، وإذا قال: من خاط هذا الثوب فله درهم، استحق الخياط الدرهم بمجرد الخياطة.

(مسألة 532): الجعالة جائزة يجوز للجاعل الرجوع فيها قبل العمل وفي جواز الرجوع في أثنائه إشكال فإن صح رجوعه فيها فلا إشكال في أن للعامل اُجرة المقدار الذي عمله.

(مسألة 533): إذا جعل جعلين بأن قال: من خاط هذا الثوب فله درهم ثم قال: من خاط هذا الثوب فله دينار، كان العمل على الثاني فإذا خاطه الخياط لزم الجاعل الدينار لا الدرهم. ولو انعكس الفرض لزم الجاعل الدرهم لا الدينار، وإذا لم تكن قرينة على العدول من الأول إلى الثاني وجب الجعلان معاً.

(مسألة 534): إذا جعل جعلاً لفعل فصدر جميعه من جماعة من كل واحد منهم بعضه كان للجميع جعل واحد لكل واحد منهم بعضه بمقدار عمله، ولو صدر الفعل بتمامه من كل واحد منهم كان لكل واحد منهم جعل تام.

(مسألة 535): إذا جعل جعلاً رده من مسافة معينة فرده من بعضها كان له من الجعل بنسبة عمله مع قصد الجاعل التوزيع.

(مسألة 536): إذا تنازع العامل والمالك في الجعل وعدمه أو في تعيين المجعول عليه أو القدر المجعول عليه أو في سعي العامل كان القول قول المالك.

(مسألة 537): إذا تنازع العامل والمالك في تعيين الجعل ففيه إشكال. والأظهر أنه مع التنازع في قدره يكون القول قول مدعي الأقل، ومع التنازع في ذاته يكون القول قول الجاعل في نفي دعوى العامل وتجب عليه التخلية بين ما يدعيه للعامل وبينه.

(مسألة 538): عقد التأمين للنفس أو المال ـ المعبر عنه في هذا العصر بالـ«سيكورته» صحيح بعنوان المعاوضة إن كان للمتعهد بالتأمين عمل محترم له مالية وقيمة عند العقلاء من وصف نظام للأكل أو الشرب أو غيرهما أو وضع محافظ على المال أو غير ذلك من الأعمال المحترمة فيكون نوعاً من المعاوضة وأخذ المال من الطرفين حلال وإلاّ فالعقد باطل وأخذ المال حرام. نعم إذا كان بعنوان الهبة المشروطة فيدفع مقداراً من المال هبة ويشترط على المتهب دفع مال آخر على نهج خاص بينهم فأخذ المال من الطرفين حلال.