كتاب التجارة

وفيه مقدمة وفصول:

مقدمة

التجارة في الجملة من المستحبات الأكيدة في نفسها، وقد ينطبق عليها عنوان ثانوي مرغوب إليه أو منهي عنه فتكون التجارة والتكسب مطلوبة أو منهياً عنها بذلك العنوان.
(مسألة 1): تحرم ولا تصح التجارة بالخمر، وباقي المسكرات والميتة، والكلب غير الصيود، والخنزير، ولا فرق في الحرمة بين بيعها وشرائها، وجعلها اُجرة في الإجارة، وعوضاً عن العمل في الجعالة، ومهراً في النكاح، وعوضاً في الطلاق الخلعي، وأما سائر الأعيان النجسة فالظاهر جواز بيعها إذا كانت لها منافع محللة مقصودة كبيع العذرة للتسميد والدم للتزريق، وكذلك تجوز هبتها والاتجار بها بسائر أنحاء المعاوضات.

(مسألة 2): الأعيان النجسة التي لا يجوز بيعها ولا المعاوضة عليها لا يبعد ثبوت حق الاختصاص لصاحبها فيها، فلو صار خلّه خمراً، أو ماتت دابته، أو اصطاد كلباً غير كلب الصيد لا يجوز أخذ شيء من ذلك قهراً عليه، وكذا الحكم في بقية الموارد، وتجوز المعاوضة على الحق المذكور فيبذل له مال في مقابله، ويحل ذلك المال له، بمعنى أنه يبذل لمن في يده العين النجسة كالميتة ـ مثلاً ـ مالاً ليرفع يده عنها، ويوكل أمرها إلى الباذل.

(مسألة 3): الظاهر أن الميتة الطاهرة كميتة السمك والجراد لا يجوز بيعها والمعاوضة عليها، وإن كانت لها منفعة محللة معتد بها عند العرف بحيث يصح عندهم بذل المال بإزائها. نعم، يجوز بذل المال بإزاء رفع اليد عنها كالأعيان النجسة.

(مسألة 4): يجوز بيع ما لا تحله الحياة من أجزاء الميتة إذا كانت له منفعة محللة معتد بها.

(مسألة 5): يجوز الانتفاع بالأعيان النجسة في غير الجهة المحرمة مثل التسميد بالعذرات، والإشعال، والطلي بدهن الميتة النجسة، والصبغ بالدم. وغير ذلك.

(مسألة 6): يجوز بيع الأرواث الطاهرة إذا كانت لها منفعة محللة معتد بها ـ كما هي كذلك اليوم ـ وكذلك الأبوال الطاهرة.

(مسألة 7): الأعيان المتنجسة كالدبس، والعسل، والدهن والسكنجبين وغيرها إذا لاقت النجاسة يجوز بيعها والمعاوضة عليها، إن كانت لها منفعة محللة معتد بها عند العرف، ويجب إعلام المشتري بنجاستها، ولو لم تكن لها منفعة محللة لا يجوز بيعها ولا المعاوضة عليها على الأحوط.

(مسألة 8): لا تجوز التجارة بما يكون آلة للحرام، بحيث يكون المقصود منه غالباً الحرام: كالمزامير والأصنام والصلبان والطبول وآلات القمار، كالشطرنج ونحوه ولا إشكال في أن منها الصفحات الغنائية (الاُسطوانات) لصندوق حبس الصوت، وكذلك الأشرطة المسجل عليها الغناء، وأما الصندوق نفسه فهو كالراديو من الآلات المشتركة، فيجوز بيعهما كما يجوز أن يستمع منهما الأخبار والقرآن والتعزية ونحوها مما يباح استماعه، أما التلفزيون، فإن عُدّ عرفاً من آلات اللهو فلا يجوز بيعه ولا استعماله، وأما مشاهدة أفلامه فلا بأس بها إذا لم تكن مثيرة للشهوة، بل كانت فيها فائدة علمية أو ترويح للنفس، وإذا اتفق أن صارت فوائده المحللة المذكورة كثيرة الوقوع بحيث لم يعد من آلات اللهو عرفاً جاز بيعه واستعماله، ويكون كالراديو وتختص الحرمة ـ حينئذ باستعماله في جهات اللهو المثيرة للشهوات الشيطانية، وأما المسجلات فلا بأس ببيعها واستعمالها.

(مسألة 9): كما يحرم بيع الآلات المذكورة يحرم عملها، وأخذ الاُجرة عليها، بل يجب إعدامها على الأحوط ولو بتغيير هيئتها، ويجوز بيع مادتها من الخشب والنحاس والحديد بعد تغيير هيئتها بل قبله، لكن لا يجوز دفعها إلى المشتري، إلاّ مع الوثوق بأن المشتري يغيرها، أما مع عدم الوثوق بذلك، فالظاهر جواز البيع وإن أثم بترك التغيير مع انحصار الفائدة في الحرام، أما إذا كانت لها فائدة ولو قليلة لم يجب تغييرها.

(مسألة 10): تحرم ولا تصح المعاملة بالدراهم الخارجة عن السكة المعمولة لأجل غش الناس، فلا يجوز جعلها عوضاً أو معوضاً عنه في المعاملة مع جهل من تدفع إليه، أما مع علمه ففيه إشكال، والأظهر الجواز، بل الظاهر جواز دفع الظالم بها من دون إعلامه بأنها مغشوشة، وفي وجوب كسرها إشكال، والأظهر عدمه.

(مسألة 11): يجوز بيع السباع، كالهر والأسد والذئب ونحوها إذا كانت لها منفعة محللة معتد بها، وكذا يجوز بيع الحشرات والمسوخات ـ إذا كانت كذلك كالعلق الذي يمص الدم ودود القز ونحل العسل والفيل، أما إذا لم تكن لها منفعة محللة، فلا يجوز بيعها ولا يصح على الأظهر.

(مسألة 12): المراد بالمنفعة المحللة المجوزة للبيع الفائدة المحللة المحتاج إليها حاجة كثيرة غالباً الباعثة على تنافس العقلاء على اقتناء العين سواء أكانت الحاجة إليها في حال الاختيار أم في حال الاضطرار كالأدوية والعقاقير المحتاج إليها للتداوي.

(مسألة 13): المشهور المنع عن بيع أواني الذهب والفضة للتزيين أو لمجرد الاقتناء، والأقوى الجواز، وإنما يحرم استعمالها كما مر.

(مسألة 14): يحرم ولا يصح بيع المصحف الشريف على الكافر على الأحوط، وكذا يحرم تمكينه منه إلاّ إذا كان تمكينه لإرشاده وهدايته أو لغاية صحيحة اُخرى فلا بأس به حينئذ، والأحوط استحباباً الاجتناب عن بيعه على المسلم فإذا اُريدت المعاوضة عليه فلتجعل المعاوضة على الغلاف ونحوه، أو تكون المعاوضة بنحو الهبة المشروطة بعوض، وأما الكتب المشتملة على الآيات والأدعية وأسماء اللّه تعالى فالظاهر جواز بيعها على الكافر، فضلاً عن المسلم، وكذا كتب أحاديث المعصومين (عليهم السلام) كما يجوز تمكينه منها.

(مسألة 15): يحرم بيع العنب أو التمر ليعمل خمراً، أو الخشب ـ مثلاً ليعمل صنماً، أو آلة لهو، أو نحو ذلك سواء أكان تواطؤهما على ذلك في ضمن العقد أم في خارجه، وإذا باع واشترط الحرام صح البيع وفسد الشرط، وكذا تحرم ولا تصح إجارة المساكن لتباع فيها الخمر، أو تحرز فيها، أو يعمل فيها شيء من المحرمات، وكذا تحرم ولا تصح إجارة السفن أو الدواب أو غيرها لحمل الخمر، والثمن والاُجرة في ذلك محرمان هذا إذا كان متعلق الإجارة هي المنفعة المحرّمة وأمّا إذا كان المتعلق نفس المنفعة ولكن شرط على المستأجر استيفاؤها بإحراز الخمر ونحوه فالباطل هو الشرط دون الإجارة وأما بيع العنب ممن يعلم أنه يعمله خمراً، أو إجارة السكن ممن يعلم أنه يحرز فيه الخمر، أو يعمل بها شيئاً من المحرمات من دون تواطئهما على ذلك في عقد البيع أو الإجارة أو قبله، فقيل إنه حرام، وهو أحوط، والأظهر الجواز.

(مسألة 16): يحرم على الأحوط تصوير ذوات الأرواح من الإنسان والحيوان إذا كانت مجسمة، ويحرم أخذ الاُجرة عليه، أما تصوير غير المجسم أو غير ذوات الأرواح، كالشجر وغيره فلا بأس به، ويجوز أخذ الاُجرة عليه، كما لا بأس بالتصوير الفوتغرافي المتعارف في عصرنا، ومثله تصوير بعض البدن كالرأس والرجل ونحوهما، مما لا يعد تصويراً ناقصاً، أما إذا كان كذلك، مثل تصوير شخص مقطوع الرأس ففيه إشكال، أما لو كان تصويراً له على هيئة خاصة مثل: تصويره جالسا أو واضعاً يديه خلفه أو نحو ذلك مما يعد تصويراً تاماً فالظاهر هو الحرمة بل الأمر كذلك فيما إذا كانت الصورة ناقصة، ولكن النقص لا يكون دخيلاً في الحياة كتصوير إنسان مقطوع اليد أو الرجل، ويجوز ـ على كراهة اقتناء الصور وبيعها وإن كانت مجسمة وذوات أرواح.

(مسألة 17): الغناء حرام إذا وقع على وجه اللهو والباطل، بمعنى أن تكون الكيفية كيفية لهوية، والعبرة في ذلك بالصدق العرفي، وكذا استماعه ولا فرق على الأحوط في حرمته بين وقوعه في قراءة ودعاء ورثاء وغيرها ويستثنى منه غناء النساء في الأعراس إذا لم يضم إليه محرم آخر من الضرب بالطبل والتكلم بالباطل، ودخول الرجال على النساء وسماع أصواتهن على نحو يوجب تهييج الشهوة، وإلاّ حرم ذلك.

(مسألة 18): معونة الظالمين في ظلمهم، حرام بل في كل محرّم على الأحوط إذا لم يعدّ من أعوانهم أما معونتهم في غير المحرمات من المباحات والطاعات فلا بأس بها، إلاّ أن يعدّ الشخص من أعوانهم والمنسوبين إليهم فتحرم.

(مسألة 19): اللعب بآلات القمار كالشطرنج، والدوملة، والطاولي وغيرها مما اُعد لذلك حرام مع الرهن، ويحرم أخذ الرهن أيضاً، ولا يملكه الغالب. ويحرم اللعب بها إذا لم يكن رهن أيضاً، ويحرم اللعب بغيرها مع الرهن، كالمراهنة على حمل الوزن الثقيل، أو على المصارعة أو على القفز أو نحو ذلك، ويحرم أخذ الرهن، وأما إذا لم يكن رهن فالأظهر الجواز. وإذا جعل للفائز جائزة من غير اللاعبين فإنه لا بأس باللعب ولا بأخذ الجائزة.

(مسألة 20): عمل السحر حرام، وكذا تعليمه وتعلّمه والتكسب به، والمراد منه ما يوجب الوقوع في الوهم بالغلبة على البصر أو السمع أو غيرهما، وفي كون تسخيرالجن أو الملائكة أو الإنسان من السحر إشكال والأظهر تحريم ما كان مضراً بمن يحرم الإضرار به دون غيره.

(مسألة 21): القيافة ـ وهي إلحاق الناس بعضهم ببعض استنادا إلى علامات خاصة على خلاف الموازين الشرعية في الالحاق ـ حرام إذا كانت قولاً بغير علم أو انطبق عليها عنوان محرّم آخر ولا اعتبار بقول القائف.

(مسألة 22): الشعبذة وهي إراءة غير الواقع واقعاً بسبب الحركة السريعة الخارجة عن العادة حرام، إذا ترتب عليها عنوان محرم كالإضرار بمؤمن ونحوه.

(مسألة 23): الكهانة حرام على ما تقدّم في القيافة وهي: الإخبار عن المغيبات بزعم أنه يخبره بها بعض الجان، أما إذا كان اعتماداً على بعض الأمارات الخفية فالظاهر أنه لا بأس به إذا اعتقد صحته أو اطمأن به.

(مسألة 24): النجش حرام إذا انطبق عليه عنوان غش المسلم وإلاّ فحرمته مبنية على الاحتياط وهو: أن يزيد الرجل في ثمن السلعة، وهو لا يريد شراءها، بل لأن يسمعه غيره فيزيد لزيادته، سواء أكان ذلك عن مواطاة مع البائع أم لا.

(مسألة 25): التنجيم حرام على ما تقدم في القيافة وهو: الإخبار عن الحوادث، مثل الرخص والغلاء والحر والبرد ونحوها، استناداً إلى الحركات الفلكية والطوارئ الطارئة على الكواكب، من الاتصال بينها، أو الانفصال، أو الاقتران، أو نحو ذلك، باعتقاد تأثيرها في الحادث، على وجه ينافي الاعتقاد بالدين.

(مسألة 26): الغش حرام. قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) : «من غش أخاه المسلم نزع اللّه بركة رزقه، وسد عليه معيشته ووكله إلى نفسه» ويكون الغش باُمور منها إخفاء الأدنى في الأعلى، كمزج الجيد بالرديء وبإخفاء غير المراد في المراد، كمزج الماء باللبن، وبإظهار الصفة الجيدة مع أنها مفقودة واقعاً، مثل رش الماء على بعض الخضراوات ليتوهم أنها جديدة وبإظهار الشيء على خلاف جنسه، مثل طلي الحديد بماء الفضة أو الذهب ليتوهم أنه فضة أو ذهب وقد يكون بترك الإعلام مع ظهور العيب وعدم خفائه، كما إذا أحرز البائع اعتماد المشتري عليه في عدم إعلامه بالعيب فاعتقد أنه صحيح ولم ينظر في المبيع ليظهر له عيبه، فإن عدم إعلام البائع بالعيب ـ مع اعتماد المشتري عليه ـ غش له.

(مسألة 27): الغش وإن حرم لا تفسد المعاملة به، لكن يثبت الخيار للمغشوش، إذا كان البيع مبنياً على عدم الغش وثبوت الخيار في غير هذا المورد محل تأمل، نعم في بيع المطلي بماء الذهب أو الفضة، يبطل البيع، ويحرم الثمن على البائع، وكذا أمثاله مما كان الغش فيه موجباً لاختلاف الجنس.

(مسألة 28): لا تصح الإجارة على العبادات التي لا تشرع إلاّ أن يأتي بها الأجير عن نفسه مجاناً، واجبة كانت أو مستحبة، عينية كانت أو كفائية، فلو استأجر شخصاً على فعل الفرائض اليومية، أو نوافلها أو صوم شهر رمضان، أو حجة الاسلام، أو تغسيل الأموات، أو تكفينهم أو الصلاة عليهم، أو غير ذلك من العبادات الواجبة أو المستحبة لم تصح الإجارة، إذا كان المقصود أن يأتي بها الأجير عن نفسه. نعم لو استأجره على أن ينوب عن غيره في عبادة من صلاة أو غيرها إذا كانت مما تشرع فيه النيابة جاز، وكذا لو استأجره على الواجب ـ غير العبادي ـ كوصف الدواء للمريض، أو العلاج له، أو نحو ذلك فإنه يصح، وكذا لو استأجره لفعل الواجبات التي يتوقف عليها النظام، كتعليم بعض علوم الزراعة والصناعة والطب، ولو استأجره لتعليم الحلال والحرام فيماهو محل الابتلاء فالأحوط وجوباً البطلان وحرمة الاُجرة. بل الصحة والجواز فيما لا يكون محلاً للابتلاء لا يخلو من إشكال أيضاً.

(مسألة 29): يحرم النوح بالباطل، يعني الكذب، ولا بأس بالنوح بالحق.

(مسألة 30): يحرم هجاء المؤمن، ويجوز هجاء المخالف، وكذا الفاسق المبتدع، لئلا يؤخذ ببدعته.

(مسألة 31): يحرم الفحش من القول، ومنه ما يستقبح التصريح به إذا كان في الكلام مع الناس، غير الزوجة والاُمة، أما معهما فلا بأس به.

(مسألة 32): تحرم الرشوة على القضاء بالحق أو الباطل. وأما الرشوة على استنقاذ الحق من الظالم فجائزة، وإن حرم على الظالم أخذها.

(مسألة 33): يحرم حفظ كتب الضلال مع احتمال ترتب الضلال لنفسه أو لغيره، فلو أمن من ذلك أو كانت هناك مصلحة أهم جاز وكذا يحرم بيعها ونشرها، ومنها: الكتب الرائجة من التوراة والإنجيل وغيرها هذا مع احتمال التضليل بها.

(مسألة 34): يحرم على الرجل لبس الذهب حتى التختم به ونحوه، وأما التزين به من غير لبس كتلبيس مقدم الأسنان به فالظاهر جوازه.

(مسألة 35): يحرم الكذب: وهو الإخبار بما ليس بواقع، ولا فرق في الحرمة بين ما يكون في مقام الجد وما يكون في مقام الهزل، نعم إذا تكلم بصورة الخبر ـ هزلاً بلا قصد الحكاية والإخبار فلا بأس به ومثله التورية بأن يقصد من الكلام معنى له واقع، ولكنه خلاف الظاهر كما أنه يجوز الكذب لدفع الضرر عن نفسه أو عن المؤمن، بل يجوز الحلف كاذباً حينئذ، ويجوز الكذب أيضاً للإصلاح بين المؤمنين، والأحوط ـ استحباباً الاقتصار فيهما على صورة عدم إمكان التورية، وأما الكذب في الوعد، بأن يخلف في وعده فالظاهر جوازه على كراهة شديدة. نعم لو كان حال الوعد بانياً على الخلف فيحرم إذا انطبق عليه عنوان الكذب ولا فرق في ذلك بين وعد أهله بشيء وهو لا يريد أن يفي به وغيره.

(مسألة 36): تحرم الولاية من قبل السلطان الجائر، إلاّ مع القيام بمصالح المؤمنين، وعدم ارتكاب ما يخالف الشرع المبين، ويجوز ـ أيضاً مع الاكراه من الجائر بأن يأمره بالولاية، ويتوعده على تركها، بما يوجب الضرر بدنياً أو مالياً عليه، أو على من يتعلق به، بحيث يكون الإضرار بذلك الشخص إضراراً بالمكره عرفاً، كالإضرار بأبيه أو أخيه أو ولده أو نحوهم ممن يهمه أمرهم.

(مسألة 37): ما يأخذه السلطان المخالف المدعي للخلافة العامة من الضرائب المجعولة على الأراضي والأشجار والنخيل يجوز شراؤه وأخذه منه مجاناً، بلا فرق بين الخراج وهو: ضريبة النقد، والمقاسمة وهي: ضريبة السهم من النصف والعشر ونحوهما، وكذا المأخوذ بعنوان الزكاة والظاهر براءة ذمة المالك بالدفع إليه، بل الظاهر أنه لو لم تأخذه الحكومة وحولت شخصاً على المالك في أخذه منه، جاز للمحول أخذه، وبرئت ذمة المحول عليه. وفي جريان الحكم المذكور فيما يأخذه السلطان المسلم المؤالف أو المخالف الذي لا يدعي الخلافة العامة، أو الكافر إشكال.

(مسألة 38): إذا دفع إنسان مالاً له إلى آخر، ليصرفه في طائفة من الناس، وكان المدفوع إليه منهم، فإن فهم من الدافع الإذن في الأخذ من ذلك المال جاز له أن يأخذ منه مثل أحدهم أو أكثر على حسب الإذن، وإن لم يفهم الإذن لم يجز الأخذ منه أصلاً، وإن دفع له شيئاً مما له مصرف خاص، كالزكاة ليصرفه في مصارفه، فله أن يأخذ منه بمقدار ما يعطيه لغيره إذا كان هو أيضاً من مصارفه، ولا يتوقف الجواز فيه على إحراز الإذن من الدافع.

(مسألة 39): جوائز الظالم حلال، وإن علم إجمالاً أن في ماله حراماً، وكذا كل ما كان في يده يجوز أخذه منه وتملكه والتصرف فيه بإذنه، إلاّ أن يعلم أنه غصب، فلو أخذ منه ـ حينئذ ـ وجب رده إلى مالكه، إن عرف بعينه، فإن جهل وتردد بين جماعة محصورة، فإن أمكن استرضاؤهم وجب، وإلاّ رجع في تعيين مالكه إلى القرعة، وإن تردد بين جماعة غير محصورة تصدق به عن مالكه، مع الإذن من الحاكم الشرعي على الأحوط إن كان يائساً عن معرفته، وإلاّ وجب الفحص عنه وإيصاله إليه.

(مسألة 40): يكره بيع الصرف، وبيع الأكفان. وبيع الطعام وبيع العبيد، كما يكره أن يكون الإنسان جزاراً أو حجّاماً، ولا سيما مع الشرط بأن يشترط اُجرة، ويكره أيضاً التكسب بضراب الفحل، بأن يؤجره لذلك، أو بغير إجارة بقصد العوض، أما لو كان بقصد المجانية فلا بأس بما يعطى بعنوان الهدية.

(مسألة 41): لا يجوز بيع أوراق اليانصيب، فإذا كان الإعطاء بقصد البدلية عن الفائدة المحتملة فالمعاملة باطلة، وأما إذا كان الإعطاء مجانا وبقصد الاشتراك في مشروع خيري فلا بأس به، وعلى كلا التقديرين فالمال المعطى لمن أصابت القرعة باسمه إذا كان المتصدي لها شركة غير أهلية من المال المجهول مالكه، لابد من مراجعة الحاكم الشرعي لإصلاحه.

(مسألة 42): يجوز إعطاء الدم إلى المرضى المحتاجين إليه. كما يجوز أخذ العوض في مقابله على ما تقدم.

(مسألة 43): يحرم حلق اللحية على الأحوط، ويحرم أخذ الاُجرة عليه كذلك، إلاّ إذا كان ترك الحلق يوجب سخرية ومهانة شديدة لا تتحمل عند العقلاء، فيجوز حينئذ.

آداب التجارة

(مسألة 44): يستحب التفقه فيها ليعرف صحيح البيع وفاسده ويسلم من الربا، ومع الشك في الصحة والفساد لا يجوز له ترتيب آثار الصحة، بل يتعين عليه الاحتياط، ويستحب أن يساوي بين المبتاعين فلا يفرق بين المماكس وغيره بزيادة السعر في الأول أو بنقصه، أما لو فرق بينهم لمرجحات شرعية كالعلم والتقوى ونحوهما، فالظاهر أنه لا بأس به، ويستحب أن يقيل النادم ويشهد الشهادتين عند العقد، ويكبر اللّه تعالى عنده، ويأخذ الناقص ويعطى الراجح.

(مسألة 45): يكره مدح البائع سلعته، وذم المشتري لها، وكتمان العيب إذا لم يؤد إلى غش، وإلاّ حرم كما تقدم، والحلف على البيع، والبيع في المكان المظلم الذي يستتر فيه العيب، بل كل ما كان كذلك، والربح على المؤمن زائداً على مقدار الحاجة، وعلى الموعود بالإحسان، والسوم ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس، وأن يدخل السوق قبل غيره ومبايعة الأدنين وذوي العاهات والنقص في أبدانهم، والمحارفين، وطلب تنقيص الثمن بعد العقد، والزيادة وقت النداء لطلب الزيادة أما الزيادة بعد سكوت المنادي فلا بأس بها، والتعرض للكيل أو الوزن أو العد أو المساحة إذا لم يحسنه حذراً من الخطأ، والدخول في سوم المؤمن، بل الأحوط تركه. والمراد به الزيادة في الثمن الذي بذله المشتري، أو بذل مبيع له غير ما بذله البائع، مع رجاء تمامية المعاملة بينهما، فلو انصرف أحدهما عنه، أو علم بعدم تماميتها بينهما فلا كراهة، وكذا لو كان البيع مبنياً على المزايدة، وأن يتوكل بعض أهل البلد لمن هو غريب عنها بل الأحوط استحباباً تركه، وتلقي الركبان الذين يجلبون السلعة، وحدّه إلى ما دون أربعة فراسخ، فلو بلغ أربعة فراسخ فلا كراهة، وكذا لو اتفق ذلك بلا قصد. والظاهر عموم الحكم لغير البيع من المعاملة، كالصلح والإجارة ونحوهما.

(مسألة 46): يحرم الاحتكار وهو: حبس السلعة والامتناع من بيعها، لانتظار زيادة القيمة، مع حاجة المسلمين إليها، وعدم وجود الباذل لها، والظاهر اختصاص الحكم بالحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن والزيت لا غير، وإن كان الأحوط ـ استحبابا ـ إلحاق الملح بها بل كل ما يحتاج إليه عامة المسلمين من الملابس والمساكن والمراكب وغيرها بل يحرم الاحتكار في غير موارد اختصاص الحكم بها إذا كان موجباً لاختلال النظام، ويجبر المحتكر على البيع في الاحتكار المحرم، من دون أن يعين له السعر، نعم إذا كان السعر الذي اختاره مجحفاً بالعامة اُجبر على الأقل منه.