الفصل الأول: شروط العقد

البيع كما يقال هو: نقل المال بعوض بما أن العوض مال، لا لخصوصية فيه والاشتراء هو إعطاء الثمن بإزاء ما للمشتري غرض فيه بخصوصه في شخص المعاملة، فمن يبيع السكر مثلاً يريد حفظ مالية ماله في الثمن لكن المشتري إنما يطلب السكر لحاجته فيه، فإذا كان الغرض لكلا المتعاملين أمراً واحداً كمبادلة كتاب بكتاب ـ مثلا لم يكن هذا بيعاً، بل هو معاملة مستقلة. ولا يبعد أن يكون البيع هو تمليك المال بعوض والتمليك أمر إنشائي فكل من أنشأه فهو البايع، كما أن الشراء هو التملك بعوض فكل من أنشأ التملك أو الرضا بالتملّك فهو المشتري سواء كان الإنشاء بالقول أو الفعل.
(مسألة 47): يعتبر في البيع الإيجاب والقبول، ويقع بكل لفظ دال على المقصود وإن لم يكن صريحاً فيه مثل: بعت وملكت، وبادلت ونحوها في الإيجاب، ومثل: قبلت ورضيت وتملكت واشتريت ونحوها في القبول، ولا تشترط فيه العربية، كما لا يقدح فيه اللحن في المادة أو الهيئة ويجوز إنشاء الإيجاب بمثل: اشتريت، وابتعت، وتملكت وإنشاء القبول بمثل: شريت وبعت وملكت.

(مسألة 48): إذا قال: بعني فرسك بهذا الدينار، فقال المخاطب: بعتك فرسي بهذا الدينار، ففي صحته وترتب الأثر عليه بلا أن ينضم إليه إنشاء القبول من الآمر إشكال، وكذلك الحكم في الولي عن الطرفين أو الوكيل عنهما فإنه لا يكتفى فيه بالإيجاب بدون القبول.

(مسألة 49): يعتبر في تحقق العقد الموالاة بين الإيجاب والقبول فلو قال البائع: بعت، فلم يبادر المشتري إلى القبول حتى انصرف البائع عن البيع لم يتحقق العقد، ولم يترتب عليه الأثر. أما إذا لم ينصرف وكان ينتظر القبول، حتى قبل صح، كما أنه لا تعتبر وحدة المجلس فلو تعاقدا بالتليفون فأوقع أحدهما الإيجاب وقبل الآخر صح. أما المعاملة بالمكاتبة ففيها إشكال، والأظهر الصحة، إن لم ينصرف البائع عن بيعه وكان ينتظر القبول.

(مسألة 50): الظاهر اعتبار التطابق بين الإيجاب والقبول في الثمن والمثمن وسائر التوابع، فلو قال: بعتك هذا الفرس بدرهم، بشرط أن تخيط قميصي، فقال المشتري: اشتريت هذا الحمار بدرهم، أو هذا الفرس بدينار، أو بشرط أن أخيط عباءتك، أو بلا شرط شيء أو بشرط أن تخيط ثوبي، أو اشتريت نصفه بنصف دينار، أو نحو ذلك من أنحاء الاختلاف لم يصح العقد، لو قال: بعتك هذا الفرس بدينار، فقال: اشتريت كل نصف منه بنصف دينار ففي تحقق التطابق إشكال; لتعدد الشراء في القبول، ووحدة البيع في الإيجاب، ويختلف حكمهما كتعدد خيار المجلس مع تعدد البيع وعدم تعدده مع وحدته.

(مسألة 51): إذا تعذر اللفظ لخرس ونحوه قامت الإشارة مقامه وإن تمكن من التوكيل، وكذا الكتابة مع العجز عن الإشارة. أما مع القدرة عليها ففي تقديم الإشارة أو الكتابة وجهان بل قولان، والأظهر الجواز بكل منهما، بل بالكتابة مع التمكن من اللفظ أيضاً. نعم، في كفاية الإشارة مع التمكن منه إشكال.

(مسألة 52): الظاهر وقوع البيع بالمعاطاة، بأن ينشئ البائع البيع بإعطائه المبيع إلى المشتري، وينشئ المشتري القبول بإعطاء الثمن إلى البائع، ولا فرق في صحتها بين المال الخطير والحقير، وقد تحصل بإعطاء البائع المبيع وأخذ المشتري بلا إعطاء منه، كما لو كان الثمن كلياً في الذمة أو بإعطاء المشتري الثمن وأخذ البائع له بلا إعطاء منه، كما لو كان المثمن كلياً في الذمة.

(مسألة 53): الظاهر أنه يعتبر في صحة البيع المعاطاتي جميع ما يعتبر في البيع العقدي من شرائط العقد والعوضين والمتعاقدين، كما أن الظاهر ثبوت الخيارات ـ الآتية إن شاء اللّه تعالى ـ على نحو ثبوتها في البيع العقدي.

(مسألة 54): الظاهر جريان المعاطاة في غير البيع من سائر المعاملات بل الإيقاعات إلاّ في موارد خاصة، كالنكاح والطلاق والعتق والتحليل والنذر واليمين، والظاهر جريانها في الرهن والوقف أيضاً.

(مسألة 55): في قبول البيع المعاطاتي للشرط سواء أكان شرط خيار في مدة معينة أم شرط فعل، أم غيرهما: إشكال، وإن كان القبول لا يخلو من وجه، فلو أعطى كل منهما ماله إلى الآخر قاصدين البيع، وقال أحدهما في حال التعاطي: جعلت لي الخيار إلى سنة مثلاً وقبل الآخر صح شرط الخيار، وكان البيع خيارياً.

(مسألة 56): لا يجوز تعليق البيع على أمر غير حاصل حين العقد سواء أعلم حصوله بعد ذلك، كما إذا قال: بعتك إذا هل الهلال، أم جهل حصوله، كما لو قال: بعتك إذا ولد لي ولد ذكر، ولا على أمر مجهول الحصول حال العقد، كما إذا قال: بعتك إن كان اليوم يوم الجمعة مع جهله بذلك، أما مع علمه به فالوجه الجواز.

(مسألة 57): إذا قبض المشتري ما اشتراه بالعقد الفاسد، فإن علم برضا البائع بالتصرف فيه حتى مع فساد العقد جاز له التصرف فيه وإلاّ وجب عليه رده إلى البائع، وإذا تلف ـ ولو من دون تفريط وجب عليه رد مثله إن كان مثلياً وقيمته إن كان قيمياً، وكذا الحكم في الثمن إذا قبضه البائع بالبيع الفاسد، وإذا كان المالك مجهولاً جرى عليه حكم المال المجهول مالكه، ولا فرق في جميع ذلك بين العلم بالحكم والجهل به، ولو باع أحدهما ما قبضه كان البيع فضولياً وتوقفت صحته على إجازة المالك وسيأتي الكلام فيه إن شاء اللّه تعالى.

الفصل الثاني: شروط المتعاقدين

(مسألة 58): يشترط في كل من المتعاقدين اُمور:
الأول: البلوغ، فلا يصح عقد الصبي في ماله، وإن كان مميزاً، إذا لم يكن بإذن الولي، بل وإن كان بإذنه إذا كان الصبي مستقلاً في التصرف، وأما إذا كانت المعاملة من الولي وكان الصبي وكيلاً عنه في إنشاء الصيغة فالصحة لا تخلو من وجه وجيه، وكذا إذا كان تصرفه في غير ماله بإذن المالك، وإن لم يكن بإذن الولي.
الثاني: العقل، فلا يصح عقد المجنون، وإن كان قاصداً إنشاء البيع.
الثالث: الاختيار، فلا يصح بيع المكره، وهو من يأمره غيره بالبيع المكروه له، على نحو يخاف من الإضرار به لو خالفه، بحيث يكون وقوع البيع منه من باب ارتكاب أقل المكروهين، ولو لم يكن البيع مكروها وقد أمره الظالم بالبيع فباع صح، وكذا لو أمره بشيء غير البيع وكان ذلك الشيء موقوفاً على البيع المكروه فباع فإنه يصح، كما إذا أمره بدفع مقدار من المال ولم يمكنه إلاّ ببيع داره فباعها، فإنه يصح بيعها.

(مسألة 59): إذا اُكره أحد الشخصين على بيع داره، كما لو قال الظالم: فليبع زيد أو عمرو داره فباع أحدهما داره بطل البيع، إلاّ إذا علم إقدام الآخر على البيع.

(مسألة 60): لو اُكره على بيع داره أو فرسه فباع أحدهما بطل، ولو باع الآخر بعد ذلك صح، ولو باعهما جميعاً دفعة بطل فيهما جميعاً.

(مسألة 61): لو أكرهه على بيع دابته فباعها مع ولدها بطل بيع الدابة، وصح بيع الولد.

(مسألة 62): لا يعتبر في صدق الإكراه عدم إمكان التفصي بالتورية، فلو أكرهه على بيع داره فباعها ـ مع قدرته على التورية ـ لم يصح البيع.

(مسألة 63): المراد من الضرر الذي يخافه، على تقدير عدم الاتيان بما اُكره عليه ما يعم الضرر الواقع على نفسه وماله وشأنه، وعلى بعض من يتعلق به ممن يهمه أمره فلو لم يكن كذلك فلا إكراه، فلو باع حينئذ ـ صح البيع.

البيع الفضولي:

الرابع: من شرائط المتعاقدين القدرة على التصرف بكونه مالكاً أو وكيلاً عنه، أو مأذوناً منه، أو ولياً عليه، فلو لم يكن العاقد قادراً على التصرف لم يصح البيع، بل توقفت صحته على إجازة القادر على ذلك التصرف، مالكاً كان، أو وكيلاً عنه، أو مأذوناً منه، أو ولياً عليه، فإن أجاز صح، وإن رد بطل وهذا هو المسمى بعقد الفضولي. والمشهور أن الإجازة بعد الرد لا أثر لها، ولكنه لا يخلو عن إشكال، بل لا يبعد نفوذها. وأما الرد بعد الإجازة فلا أثر له جزماً.
(مسألة 64): لو منع المالك من بيع ماله فباعه الفضولي، فإن أجازه المالك صح، ولا أثر للمنع السابق في البطلان.

(مسألة 65): إذا علم من حال المالك أنه يرضى بالبيع فباعه لم يصح وتوقفت صحته على الإجازة.

(مسألة 66): إذا باع الفضولي مال غيره عن نفسه لاعتقاده أنه مالك، أو لبنائه على ذلك، كما في الغاصب، فأجازه المالك صح البيع ويرجع الثمن إلى المالك.

(مسألة 67): لا يكفي في تحقق الإجازة الرضا الباطني، بل لابد من الدلالة عليه بالقول مثل: رضيت، وأجزت، ونحو هما، أو بالفعل مثل أخذ الثمن، أو بيعه، أو الإذن في بيعه أو إجازة العقد الواقع عليه أو نحو ذلك.

(مسألة 68): الظاهر أن الإجازة كاشفة عن صحة العقد من حين وقوعه كشفاً حكمياً، فنماء الثمن من حين العقد إلى حين الإجازة ملك مالك المبيع، ونماء المبيع ملك للمشتري هذا على تقدير كون المجيز هو المالك حال العقد وإلاّ فالنقل والانتقال من حين ملك المجيز.

(مسألة 69): لو باع باعتقاد كونه ولياً أو وكيلاً فتبين خلافه فإن أجازه المالك صح وإن رد بطل، ولو باع باعتقاد كونه أجنبياً فتبين كونه ولياً أو وكيلاً صح، ولم يحتج إلى الإجازة، ولو تبين كونه مالكاً ففي صحة البيع ـ من دون حاجة إلى إجازته ـ إشكال والأظهر هو الصحة.

(مسألة 70): لو باع مال غيره فضولاً، ثم ملكه قبل إجازة المالك ففي صحته بلا حاجة إلى الإجازة أو توقفه على الإجازة أو بطلانه رأساً وجوه أقواها أوسطها.

(مسألة 71): لو باع مال غيره فضولاً فباعه المالك من شخص آخر صح بيع المالك، ويصح بيع الفضولي أيضاً إن أجازه المشتري.

(مسألة 72): إذا باع الفضولي مال غيره ولم تتحقق الإجازة من المالك، فإن كانت العين في يد المالك فلا إشكال، وإن كانت في يد البائع جاز للمالك الرجوع بها عليه، وإن كان البائع قد دفعها إلى المشتري جاز له الرجوع على كل من البائع والمشتري، وإن كانت تالفة رجع على البائع إن لم يدفعها إلى المشتري أو على أحدهما إن دفعها إليه بمثلها، إن كانت مثلية، وبقيمتها إن كانت قيمية.

(مسألة 73): المنافع المستوفاة مضمونة، وللمالك الرجوع بها على من استوفاها، وكذا الزيادات العينية، مثل اللبن والصوف والشعر والسرجين ونحوها مما كانت له مالية، فإنها مضمونة على من استولى عليها كالعين، أما المنافع غير المستوفاة ففي ضمانها إشكال، والضمان أظهر.

(مسألة 74): المثلي: ما يكثر وجود مثله في الصفات التي تختلف باختلافها الرغبات، والقيمي: ما لا يكون كذلك، فالآلات والظروف والأقمشة المعمولة في المعامل في هذا الزمان من المثلي، والجواهر الأصلية من الياقوت والزمرد والألماس والفيروزج ونحوها من القيمي.

(مسألة 75): الظاهر أن المدار في القيمة المضمون بها القيمي قيمة زمان القبض لا زمان التلف، ولا زمان الأداء.

(مسألة 76): إذا لم يمض المالك المعاملة الفضولية فعلى البائع الفضولي أن يرد الثمن المسمى إلى المشتري، فإذا رجع المالك على المشتري ببدل العين من المثل أو القيمة فليس للمشتري الرجوع على البائع في مقدار الثمن المسمى. ويرجع في الزائد عليه إذا كان مغروراً، وإذا رجع المالك على البائع رجع البائع على المشتري بمقدار الثمن المسمى إذا لم يكن قد قبض الثمن، ولا يرجع في الزائد عليه إذا كان غاراً وإذا رجع المالك على المشتري ببدل نماء العين من الصوف واللبن ونحوهما أو بدل المنافع المستوفاة أو غير ذلك، فإن كان المشتري مغروراً من قبل البائع، بأن كان جاهلاً بأن البائع فضولي، وكان البائع عالماً فأخبره البائع بأنه مالك، أو ظهر له منه أنه مالك رجع المشتري على البائع بجميع الخسارات التي خسرها للمالك، وإن لم يكن مغروراً من البائع كما إذا كان عالما بالحال، أو كان البائع أيضاً جاهلاً لم يرجع عليه بشيء من الخسارات المذكورة، وإذا رجع المالك على البائع ببدل النماءات، فإن كان المشتري مغروراً من قبل البائع لم يرجع البائع على المشتري، وإن لم يكن مغروراً من قبل البائع رجع البائع عليه في الخسارة التي خسرها للمالك وكذا الحال في جميع الموارد التي تعاقبت فيها الأيدي العادية على مال المالك، فإنه إن رجع المالك على السابق رجع السابق على اللاحق إن لم يكن مغروراً منه، وإلاّ لم يرجع على اللاحق، وإن رجع المالك على اللاحق لم يرجع إلى السابق، إلاّ مع كونه مغروراً منه، وكذا الحكم في المال غير المملوك لشخص كالزكاة المعزولة، ومال الوقف المجعول مصرفاً في جهة معينة أو غير معينة، أو في مصلحة شخص أو أشخاص فإن الولي يرجع على ذي اليد عليه، مع وجوده، وكذا مع تلفه على النهج المذكور.

(مسألة 77): لو باع إنسان ملكه وملك غيره صفقة واحدة صح البيع فيما يملك، وتوقفت صحة بيع غيره على إجازة المالك، فإن أجازه صح، وإلاّ فلا، وحينئذ يكون للمشتري خيار تبعض الصفقة، فله فسخ البيع بالإضافة إلى ما يملكه البائع.

(مسألة 78): طريق معرفة حصة كل واحد منهما من الثمن: أن يقوم كل من المالين بقيمته السوقية، فيرجع المشتري بحصة من الثمن نسبتها إلى الثمن نسبة قيمة مال غير البائع إلى مجموع القيمتين، فإذا كانت قيمة ماله عشرة وقيمة مال غيره خمسة، والثمن ثلاثة يرجع المشتري بواحد الذي هو ثلث الثمن، ويبقى للبائع اثنان. وهما ثلثا الثمن، هذا إذا لم يكن للاجتماع دخل في زيادة القيمة ونقصها، أما لو كان الأمر كذلك وجب تقويم كل منهما في حال الانضمام إلى الآخر ثم تنسب قيمة كل واحد منهما إلى مجموع القيمتين، فيؤخذ من الثمن بتلك النسبة. مثلاً إذا باع الجارية وابنتها بخمسة، وكانت قيمة الجارية في حال الانفراد ستة، وفي حال الانضمام أربعة، وقيمة ابنتها بالعكس فمجموع القيمتين عشرة، فإن كانت الجارية لغير البائع رجع المشتري بخمسين، وهما اثنان من الثمن، وبقي للبائع ثلاثة أخماس، وإن كانت البنت لغير البائع رجع المشتري بثلاثة أخماس الثمن، وهو ثلاثة وبقي للبائع اثنان.

(مسألة 79): إذا كانت الدار مشتركة بين شخصين على السوية فباع أحدهما نصف الدار، فإن قامت القرينة على أن المراد نصف نفسه، أو نصف غيره، أو نصف في النصفين عمل على القرينة، وإن لم تقم القرينة على شيء من ذلك حمل على نصف نفسه لا غير.

(مسألة 80): يجوز للأب والجد للأب وإن علا التصرف في مال الصغير بالبيع والشراء والإجارة وغيرها، وكل منهما مستقل في الولاية فلا يعتبر الإذن من الآخر، كما لا تعتبر العدالة في ولايتهما، ولا أن تكون مصلحة في تصرفهما، بل يكفي عدم المفسدة فيه، إلاّ أن يكون التصرف تفريطاً منهما في مصلحة الصغير، كما لو اضطر الولي إلى بيع مال الصغير، وأمكن بيعه بأكثر من قيمة المثل، فلا يجوز له البيع بقيمة المثل، وكذا لو دار الأمر بين بيعه بزيادة درهم عن قيمة المثل، وزيادة درهمين، لاختلاف الأماكن أو الدلالين، أو نحو ذلك لم يجز البيع بالأقل، وإن كانت فيه مصلحة إذا عد ذلك تساهلاً عرفاً في مال الصغير، والمدار في كون التصرف مشتملاً على المصلحة أو عدم المفسدة على كونه كذلك في نظر العقلاء، لا بالنظر إلى علم الغيب، فلو تصرف الولي باعتقاد المصلحة فتبين أنه ليس كذلك في نظر العقلاء بطل التصرف، ولو تبين أنه ليس كذلك بالنظر إلى علم الغيب صح، إذا كانت فيه مصلحة بنظر العقلاء.

(مسألة 81): يجوز للأب والجد التصرف في نفس الصغير بإجارته لعمل ما أو جعله عاملاً في المعامل، وكذلك في سائر شؤونه مثل تزويجه نعم ليس لهما طلاق زوجته، وهل لهما فسخ نكاحه عند حصول المسوغ للفسخ، وهبة المدة في عقد المتعة: وجهان والثبوت أقرب.

(مسألة 82): إذا أوصى الأب أو الجد إلى شخص بالولاية بعد موته على القاصرين نفذت الوصية، وصار الموصى إليه ولياً عليهم بمنزلة الموصي تنفذ تصرفاته. ويشترط فيه الرشد والأمانة، ولا تشترط فيه العدالة على الأقوى. كما يشترط في صحة الوصية فقد الآخر، فلا تصح وصية الأب بالولاية على الطفل مع وجود الجد، ولا وصية الجد بالولاية على حفيده مع وجود الأب، ولو أوصى أحدهما بالولاية على الطفل، بعد فقد الآخر لا في حال وجوده، ففي صحتها إشكال.

(مسألة 83): ليس لغير الأب والجد للأب والوصي لأحدهما ولاية على الصغير، ولو كان عماً أو اُماً أو جداً للاُم أو أخا كبيراً، فلو تصرف أحد هؤلاء في مال الصغير، أو في نفسه، أو سائر شؤونه لم يصح، وتوقف على إجازة الولي.

(مسألة 84): تكون الولاية على الطفل للحاكم الشرعي، مع فقد الأب والجد والوصي لأحدهما، ومع تعذر الرجوع إلى الحاكم فالولاية لعدول المؤمنين، لكن الأحوط الاقتصار على صورة لزوم الضرر في ترك التصرف، كما لو خيف على ماله التلف مثلاً فيبيعه العادل، لئلا يتلف، ولا يعتبر حينئذ أن تكون في التصرف فيه غبطة وفائدة، بل لو تعذر وجود العادل حينئذ لم يبعد جواز ذلك لسائر المؤمنين، ولو اتفق احتياج المكلف إلى دخول دار الأيتام والجلوس على فراشهم، والأكل من طعامهم، وتعذر الاستئذان من وليهم لم يبعد جواز ذلك، إذا عوضهم عن ذلك بمال آخر، ولم يكن فيه ضرر عليهم وإن كان الأحوط تركه، وإذا كان التصرف مصلحة لهم جاز من دون حاجة إلى عوض. واللّه سبحانه العالم.

الفصل الثالث: شروط العوضين

يشترط في المبيع أن يكون عيناً، سواء أكان موجوداً في الخارج أم في الذمة، وسواء أكانت الذمة ذمة البائع أم غيره، كما إذا كان له مال في ذمة غيره فباعه لشخص ثالث، فلا يجوز بيع المنفعة، كمنفعة الدار، ولا بيع العمل كخياطة الثوب، وأما الثمن فيجوز أن يكون عيناً أو منفعة أو عملاً.
(مسألة 85): المشهور على اعتبار أن يكون المبيع والثمن ما لا يتنافس فيه العقلاء، فكل ما لا يكون مالاً كبعض الحشرات لا يجوز بيعه، ولا جعله ثمناً، وهو الأظهر.

(مسألة 86): الحقوق مطلقاً من قبيل الأحكام، فكما لا يصح بيعها لا يصح جعلها ثمناً، نعم في مثل حق التحجير القابل للانتقال يجوز جعل متعلق الحق بما هو كذلك ثمناً ويجوز جعل شيء بإزاء رفع اليد عن الحق، فيما إذا كان قابلاً للإسقاط فقط.

(مسألة 87): يشترط في البيع أن لا يكون غررياً وتكفي المشاهدة فيما تعارف بيعه بالمشاهدة، ولا تكفي في غير ذلك، بل لابد أن يكون مقدار كل من العوضين المتعارف تقديره به عند البيع، من كيل أو وزن، أو عد، أو مساحة معلوماً، ولا بأس بتقديره بغير المتعارف فيه عند البيع، كبيع المكيل بالوزن، وبالعكس إذا لم يكن البيع غررياً، وإذا كان الشيء مما يباع في حال بالمشاهدة، وفي حال اُخرى بالوزن أو الكيل، كالثمر يباع على الشجر بالمشاهدة وفي المخازن بالوزن، والحطب محمولاً على الدابة بالمشاهدة وفي المخزن بالوزن، واللبن المخيض يباع في السقاء بالمشاهدة وفي المخازن بالكيل فصحة بيعه مقدّراً أو مشاهداً تابعة للمتعارف.

(مسألة 88): يكفي في معرفة التقدير إخبار البائع بالقدر، كيلاً أو وزناً، أو عدّاً، ولا فرق بين عدالة البائع وفسقه، والأحوط اعتبار حصول اطمئنان المشتري بإخباره، ولو تبين الخلاف بالنقيصة كان المشتري بالخيار في الفسخ والإمضاء بتمام الثمن ولو تبينت الزيادة كان البائع بالخيار بين الفسخ والإمضاء بتمام المبيع، وقيل: يرجع المشتري على البائع بثمن النقيصة في الأول، وتكون الزيادة للبائع في الثاني وهو ضعيف.

(مسألة 89): لابد في مثل القماش والأرض ونحوهما ـ مما يكون تقديره بالمساحة دخيلاً في زيادة القيمة ـ معرفة مقداره، ولا يكتفى في بيعه بالمشاهدة إلاّ إذا كانت المشاهدة رافعة للغرر كما هو الغالب في بيع الدور والفرش ونحوهما.

(مسألة 90): إذا اختلفت البلدان في تقدير شيء، بأن كان موزوناً في بلد، ومعدوداً في آخر، ومكيلاً في ثالث، فالظاهر أن المدار في التقدير بلد المعاملة. ولكن يجوز البيع بالتقدير الآخر أيضاً إذا لم يكن فيه غرر.

(مسألة 91): قد يؤخذ الوزن شرطاً في المكيل أو المعدود، أو الكيل شرطاً في الموزون، مثل أن يبيعه عشرة أمنان من الدبس، بشرط أن يكون كيلها صاعاً، فيتبين أن كيلها أكثر من ذلك لرقة الدبس، أو يبيعه عشرة أذرع من قماش، بشرط أن يكون وزنها ألف مثقال، فيتبين أن وزنها تسعمئة، لعدم إحكام النسج، أو يبيعه عشرة أذرع من الكتان، بشرط أن يكون وزنه مئة مثقال، فيتبين أن وزنه مئتا مثقال لغلظة خيوطه ونحو ذلك، مما كان التقدير فيه ملحوظاً صفة كما للمبيع لا مقوماً له، والحكم أنه مع التخلف بالزيادة أو النقيصة يكون الخيار للمشتري، لتخلف الوصف، فإن أمضى العقد كان عليه تمام الثمن، والزيادة للمشتري على كل حال.

(مسألة 92): يشترط معرفة جنس العوضين وصفاتهما التي تختلف القيمة باختلافها، كالألوان والطعوم والجودة والرداءة والرقة والغلظة والثقل والخفة ونحو ذلك، مما يوجب اختلاف القيمة، أما ما لا يوجب اختلاف القيمة منها فلا تجب معرفته، وإن كان مرغوباً عند قوم، وغير مرغوب عند آخرين، والمعرفة إما بالمشاهدة، أو بتوصيف البائع، أو بالرؤية السابقة هذا في بيع السلف والكلي، وأما إذا كان العوضان شخصيين ففي اعتبار معرفة الصفات التي لا تكون مقومة لعنوانهما عرفاً تأمّل.

(مسألة 93): يشترط أن يكون كل واحد من العوضين ملكاً، مثل أكثر البيوع الواقعة بين الناس، أو ما هو بمنزلته، كبيع الكلي في الذمة أو بيع مال شخصي مختص بجهة من الجهات مثل بيع ولي الزكاة بعض أعيان الزكاة وشرائه العلف لها، وعليه فلا يجوز بيع ما ليس كذلك: مثل بيع السمك في الماء والطير في الهواء، وشجر البيداء قبل أن يصطاد أو يحاز.

(مسألة 94): يصح للراهن بيع العين المرهونة بإذن المرتهن، وكذلك لو أجازه بعد وقوعه، والأظهر صحة البيع مع عدم إجازته أيضاً إلاّ أنه يثبت الخيار حينئذ للمشتري إذا كان جاهلاً بالحال حين البيع.

(مسألة 95): لا يجوز بيع الوقف إلاّ في موارد: منها: أن يخرب بحيث لا يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه، كالحيوان المذبوح، والجذع البالي، والحصير المخرق. ومنها: أن يخرب على نحو يسقط عن الانتفاع المعتد به، مع كونه ذا منفعة يسيرة ملحقة بالمعدوم عرفاً. ومنها: ما إذا اشترط الواقف بيعه عند حدوث أمر، من قلة المنفعة أو كثرة الخراج، أو كون بيعه أنفع، أو احتياجهم إلى عوضه، أو نحو ذلك. ومنها: ما إذا وقع الاختلاف الشديد بين الموقوف عليهم، بحيث لا يؤمن معه من تلف النفوس والأموال. ومنها، ما لو علم أن الواقف لاحظ في قوام الوقف عنواناً خاصاً في العين الموقوفة، مثل كونها بستاناً، أو حماماً فيزول ذلك العنوان، فإنه يجوز البيع ـ حينئذ وإن كانت الفائدة باقية بحالها أو أكثر. ومنها: ما إذا طرأ ما يستوجب أن يؤدي بقاؤه إلى الخراب المسقط له عن المنفعة المعتد بها عرفاً، واللازم حينئذ تأخير البيع إلى آخر أزمنة إمكان البقاء.

(مسألة 96): ما ذكرناه من جواز البيع في الصور المذكورة لا يجري في المساجد، فإنها لا يجوز بيعها على كل حال. نعم، يجري في مثل الخانات الموقوفة للمسافرين، وكتب العلم والمدارس والرباطات الموقوفة على الجهات الخاصة.

(مسألة 97): إذا جاز بيع الوقف، فإن كان من الأوقاف غير المحتاجة إلى المتولي كالوقف على الأشخاص المعينين لم تحتج إلى إجازة غيرهم، وإلاّ فإن كان له متول خاص فاللازم مراجعته، ويكون البيع بإذنه، وإلاّ فالأحوط مراجعة الحاكم الشرعي، والاستئذان منه في البيع، كما أن الأحوط أن يشتري بثمنه ملكاً، ويوقف على النهج الذي كان عليه الوقف الأول، نعم لو خرب بعض الوقف جاز بيع ذلك البعض وصرف ثمنه في مصلحة المقدار العامر، أو في وقف آخر إذا كان موقوفاً على نهج وقف الخراب. وإذا خرب الوقف ولم يمكن الانتفاع به وأمكن بيع بعضه وتعمير الباقي بثمنه فالأحوط الاقتصار على بيع بعضه وتعمير الباقي بثمنه.

(مسألة 98): لا يجوز بيع الأمة إذا كانت ذات ولد لسيدها، ولو كان حملاً غير مولود، وكذا لا يجوز نقلها بسائر النوافل، وإذا مات ولدها جاز بيعها، كما يجوز بيعها في ثمن رقبتها مع إعسار المولى، وفي هذه المسالة فروع كثيرة لم نتعرض لها لقلة الابتلاء بها.

(مسألة 99): لا يجوز بيع الأرض الخراجية. وهي: الأرض المفتوحة عنوة العامرة حين الفتح، فإنها ملك للمسلمين من وجد ومن يوجد، ولا فرق بين أن تكون فيها آثار مملوكة للبائع من بناء أو شجر أو غيرهما، وأن لا تكون. بل الظاهر عدم جواز التصرف فيها إلاّ بإذن الحاكم الشرعي، إلاّ أن تكون تحت سلطة السلطان المدعي للخلافة العامة فيكفي الاستئذان منه، بل في كفاية الاستئذان من الحاكم الشرعي ـ حينئذ إشكال، ولو ماتت الأرض العامرة ـ حين الفتح فلا يبعد أنها تملك بالإحياء. أما الأرض الميتة في زمان الفتح فهي ملك للإمام (عليه السلام) ، وإذا أحياها أحد ملكها بالإحياء، مسلماً كان المحيي أو كافراً، وليس عليه دفع العوض، وإذا تركها حتى ماتت فهي على ملكه، ولكنه إذا ترك زرعها وأهملها ولم ينتفع بها بوجه، جاز لغيره زرعها، وهو أحق بها منه وإن كان الأحوط استحباباً عدم زرعها بلا إذن منه إذا عرف مالكها، إلاّ إذا كان المالك قد أعرض عنها، وإذا أحياها السلطان المدعي للخلافة على أن تكون للمسلمين لحقها حكم الأرض الخراجية.

(مسألة 100): في تعيين أرض الخراج إشكال، وقد ذكر العلماء والمؤرخون مواضع كثيرة منها. وإذا شك في أرض أنها كانت ميتة أو عامرة ـ حين الفتح تحمل على أنها كانت ميتة، فيجوز إحياؤها وتملكها إن كانت حية، كما يجوز بيعها وغيره من التصرفات الموقوفة على الملك.

(مسألة 101): يشترط في كل من العوضين أن يكون مقدوراً على تسليمه فلا يجوز بيع الجمل الشارد، أو الطير الطائر، أو السمك المرسل في الماء، ولا فرق بين العلم بالحال والجهل بها، ولو باع العين المغصوبة وكان المشتري قادراً على أخذها من الغاصب صح، كما أنه يصح بيعها على الغاصب أيضاً، وإن كان البائع لا يقدر على أخذها منه، ثم دفعها إليه، وإذا كان المبيع مما لا يستحق المشتري أخذه، كما لو باع من ينعتق على المشتري صح، وإن لم يقدر على تسليمه.

(مسألة 102): لو علم بالقدرة على التسليم فباع فانكشف الخلاف بطل، ولو علم العجز عنه فانكشف الخلاف فالظاهر الصحة.

(مسألة 103): لو انتفت القدرة على التسليم في زمان استحقاقه، لكن علم بحصولها بعده، فإن كانت المدة يسيرة صح، وإذا كانت طويلة لا يتسامح بها، فإن كانت مضبوطة كسنة أو أكثر فالظاهر الصحة مع علم المشتري بها وكذا مع جهله بها، لكن يثبت الخيار للمشتري، وإن كانت غير مضبوطة فالظاهر البطلان، كما لو باعه دابة غائبة يعلم بحضورها لكن لا يعلم زمانه.

(مسألة 104): إذا كان العاقد هو المالك فالاعتبار بقدرته، وإن كان وكيلاً في إجراء الصيغة فقط فالاعتبار بقدرة المالك، وإن كان وكيلاً في المعاملة كعامل المضاربة، فالاعتبار بقدرته أو قدرة المالك فيكفي قدرة أحدهما على التسليم في صحة المعاملة، فإذا لم يقدرا بطل البيع.

(مسألة 105): يجوز بيع العبد الآبق مع الضميمة، إذا كانت ذات قيمة معتد بها.