|
الفصل الرابع: الخيارات
الخيار حق يقتضي السلطنة على فسخ العقد برفع مضمونه وهو أقسام:
الأول: خيار المجلس: أي مجلس البيع فإنه إذا وقع البيع كان لكل من البائع والمشتري الخيار في المجلس ما لم يفترقا، فإذا افترقا عرفاً لزم البيع وانتفى الخيار ولو كان المباشر للعقد الوكيل كان الخيار للمالك، فإن الوكيل وكيل في إجراء الصيغة فقط، وليس له الفسخ عن المالك، ولو كان وكيلاً في تمام المعاملة وشؤونها كان له الفسخ عن المالك، والمدار على اجتماع المباشرين وافتراقهما لا المالكين، ولو فارقا المجلس مصطحبين بقي الخيار لهما حتى يفترقا، ولو كان الموجب والقابل واحداً وكالة عن المالكين أو ولاية عليهما، ففي ثبوت الخيار إشكال، بل الأظهر العدم. نعم، إذا كان وكيلاً عن مالكين مجتمعين في مجلس العقد فيثبت الخيار لكل منهما ويسقط مع افتراقهما.
(مسألة 106): هذا الخيار يختص بالبيع ولا يجري في غيره من المعاوضات.
(مسألة 107): يسقط هذا الخيار باشتراط سقوطه في العقد، كما يسقط بإسقاطه بعد العقد.
الثاني: خيار الحيوان: كل من اشترى حيواناً ـ إنسانا كان أو غيره ـ ثبت له الخيار ثلاثة أيام مبدؤها زمان العقد، وإذا كان العقد في أثناء النهار لفق المنكسر من اليوم الرابع، والليلتان المتوسطتان داخلتان في مدة الخيار، وكذا الليلة الثالثة في صورة تلفيق المنكسر، وإذا لم يفترق المتبايعان حتى مضت ثلاثة أيام سقط خيار الحيوان، وبقي خيار المجلس.
(مسألة 108): يسقط هذا الخيار باشتراط سقوطه في متن العقد، كما يسقط بإسقاطه بعده، وبالتصرف في الحيوان تصرفاً يدل على إمضاء العقد واختيار عدم الفسخ أو تصرفاً حكم الشرع بكونه رضاً ببقاء العقد كالنظر إلى بدن الأمة المشتراة أو لمسه بما يحرم لغير مالكها.
(مسألة 109): يثبت هذا الخيار للبائع أيضاً، إذا كان الثمن حيواناً.
(مسألة 110): يختص هذا الخيار أيضا بالبيع، ولا يثبت في غيره من المعاوضات.
(مسألة 111): إذا تلف الحيوان قبل القبض أو بعده في مدة الخيار كان تلفه من مال البائع، ورجع المشتري عليه بالثمن إذا كان دفعه إليه.
(مسألة 112): إذا طرأ عيب في الحيوان من غير تفريط من المشتري لم يمنع من الفسخ والرد، وإن كان بتفريط منه سقط خياره.
الثالث: خيار الشرط: والمراد به: الخيار المجعول باشتراطه في العقد، إما لكل من المتعاقدين أو لأحدهما بعينه، أو لأجنبي.
(مسألة 113): لا يتقدر هذا الخيار بمدة معينة، بل يجوز اشتراطه في أي مدة كانت قصيرة أو طويلة، متصلة أو منفصلة عن العقد، نعم لابد من تعيين مبدئها وتقديرها بقدر معين، فلا يجوز جعل الخيار بلا مدة، ولا جعله مدة غير محدودة قابلة للزيادة والنقيصة وموجبة للغرر، وإلاّ بطل العقد وفي جواز اشتراط الخيار مادام العمر في البيع تأمّل نعم يجوز ذلك في مثل الصلح والهبة المعوضة ونحوهما مما لا بأس فيه بالغرر.
(مسألة 114): إذا جعل الخيار شهراً كان الظاهر منه المتصل بالعقد وكذا الحكم في غير الشهر من السنة أو الاُسبوع أو نحوهما، وإذا جعل الخيار شهراً مردداً بين الشهور احتمل البطلان من جهة عدم التعيين، لكن الظاهر الصحة فإن مرجع ذلك هو جعل الخيار في تمام تلك الشهور، هذا إذا كانت الشهور محدودة من حيث المنتهى وإلاّ كان كشرط الخيار مادام العمر وقد تقدم الإشكال فيه.
(مسألة 115): لا يجوز اشتراط الخيار في الإيقاعات، كالطلاق والعتق، ولا في العقود الجائزة، كالوديعة والعارية، ويجوز اشتراطه في العقود اللازمة عدا النكاح، وفي جواز اشتراطه في الصدقة وفي الهبة اللازمة وفي الضمان إشكال، وإن كان الأظهر عدم الجواز في الأخير والجواز في الثاني.
(مسألة 116): يجوز اشتراط الخيار للبائع في مدة معينة متصلة بالعقد، أو منفصلة عنه، على نحو يكون له الخيار في حال رد الثمن بنفسه مع وجوده أو ببدله مع تلفه، ويسمى بيع الخيار فإذا مضت مدة الخيار لزم البيع وسقط الخيار وامتنع الفسخ، وإذا فسخ في المدة من دون رد الثمن أو بدله مع تلفه لا يصح الفسخ، وكذا لو فسخ قبل المدة فلا يصح الفسخ إلاّ في المدة المعينة، في حال رد الثمن أو رد بدله مع تلفه، ثم إن الفسخ إما أن يكون بإنشاء مستقل في حال الرد، مثل فسخت ونحوه، أو يكون بنفس الرد، على أن يكون إنشاء الفسخ بالفعل وهو الرد، لا بقوله: فسخت، ونحوه.
(مسألة 117): المراد من رد الثمن إحضاره عند المشتري، وتمكينه منه، فلو أحضره كذلك جاز له الفسخ وإن امتنع المشتري من قبضه.
(مسألة 118): الظاهر أنه يجوز اشتراط الفسخ في تمام المبيع برد بعض الثمن، كما يجوز اشتراط الفسخ في بعض المبيع بذلك.
(مسألة 119): إذا تعذر تمكين المشتري من الثمن لغيبة، أو جنون، أو نحوهما مما يرجع إلى قصور فيه فالظاهر أنه يكفي في صحة الفسخ تمكين وليه، ولو كان الحاكم الشرعي أو وكيله، فإذا مكنه من الثمن جاز له الفسخ.
(مسألة 120): نماء المبيع من زمان العقد إلى زمان الفسخ للمشتري، كما أن نماء الثمن للبائع.
(مسألة 121): لا يجوز للمشتري فيما بين العقد إلى انتهاء مدة هذا الخيار التصرف الناقل للعين من هبة أو بيع أو نحو هما، ولو تلف المبيع كان ضمانه على المشتري، ولا يسقط بذلك خيار البائع، إلاّ إذا كان المقصود من الخيار المشروط خصوص الخيار في حال وجود العين بحيث يكون الفسخ موجباً لرجوعها نفسها إلى البائع، لكن الغالب الأول.
(مسألة 122): إذا كان الثمن المشروط رده دَيناً في ذمة البائع كما إذا كان للمشتري دَين في ذمة البائع فباعه بذلك الدين، واشترط الخيار مشروطاً برده كفي في رده إعطاء فرد منه، وإذا كان الثمن عيناً من النقود في يد البائع فيكفي في ثبوت الخيار دفع مثلها للمشتري. وإذا كان الثمن كلياً في ذمة المشتري فدفع منه فرداً إلى البائع بعد وقوع البيع فالظاهر كفاية رد فرد آخر في صحة الفسخ.
(مسألة 123): لو اشترى الولي شيئا للمولّى عليه ببيع الخيار، فارتفع حجره قبل انقضاء المدة ـ كان الفسخ مشروطاً برد الثمن إليه، ولا يكفي الرد إلى وليه، ولو اشترى أحد الوليين كالأب ببيع الخيار جاز الفسخ بالرد إلى الولي الآخر كالجد، إلاّ أن يكون المشروط الرد إلى خصوص الولي المباشر للشراء.
(مسألة 124): إذا مات البائع قبل إعمال الخيار انتقل الخيار إلى ورثته، فلهم الفسخ بردهم الثمن إلى المشتري، ويشتركون في المبيع على حساب سهامهم، ولو امتنع بعضهم عن الفسخ لم يصح للبعض الآخر الفسخ، لا في تمام المبيع ولا في بعضه، ولو مات المشتري كان للبائع الفسخ برد الثمن إلى ورثته.
(مسألة 125): يجوز اشتراط الخيار في الفسخ للمشتري برد المبيع إلى البائع، والظاهر منه رد نفس العين، فلا يكفي رد البدل حتى مع تلفها إلاّ أن تقوم قرينة على إرادة ما يعم رد البدل عند التلف، كما يجوز أيضا اشتراط الخيار لكل منهما عند رد ما انتقل إليه بنفسه أو ببدله عند تلفه.
(مسألة 126): لا يجوز إشتراط الخيار في الفسخ برد البدل مع وجود العين، بلا فرق بين رد الثمن ورد المثمن، وفي جواز اشتراطه برد القيمة في المثلي، أو المثل في القيمي مع التلف إشكال، وإن كان الأظهر أيضاً العدم ويجري فيه أيضاً ما تقدم في المسألة 122.
(مسألة 127): يسقط هذا الخيار، بانقضاء المدة المجعولة له، مع عدم الرد وبإسقاطه بعد العقد.
الرابع: خيار الغبن: إذا باع بأقل من قيمة المثل، ثبت له الخيار، وكذا إذا اشترى بأكثر من قيمة المثل، ولا يثبت هذا الخيار للمغبون، إذا كان عالماً بالحال.
(مسألة 128): يشترط في ثبوت الخيار للمغبون أن يكون التفاوت موجباً للغبن عرفاً، بأن يكون مقداراً لا يتسامح به عند غالب الناس فلو كان جزئياً غير معتد به لقلته لم يوجب الخيار، وحدّه بعضهم بالثلث وآخر بالربع وثالث بالخمس، ولا يبعد اختلاف المعاملات في ذلك فالمعاملات التجارية المبنية على المماكسة الشديدة يكفي في صدق الغبن فيها العشر بل نصف العشر بل الأقل، وأما المعاملات العادية فلا يكفي فيها ذلك والمدار على ما عرفت من عدم المسامحة الغالبية.
(مسألة 129): الظاهر كون الخيار المذكور ثابتاً من حين العقد لا من حين ظهور الغبن فلو فسخ قبل ظهور الغبن صح فسخه مع ثبوت الغبن واقعاً.
(مسألة 130): ليس للمغبون مطالبة الغابن بالتفاوت وترك الفسخ ولو بذل له الغابن التفاوت لم يجب عليه القبول بل يتخير بين فسخ البيع من أصله وإمضائه بتمام الثمن المسمى، نعم لو تصالحا على إسقاط الخيار بمال صح الصلح وسقط الخيار ووجب على الغابن دفع عوض المصالحة.
يسقط الخيار المذكور باُمور:
أولها: إسقاطه بعد العقد وإن كان قبل ظهور الغبن ولو أسقطه بزعم كون التفاوت عشرة فتبين كونه مئة فإن كان التفاوت بالأقل ملحوظاً قيداً بطل الإسقاط وإن كان ملحوظاً من قبيل الداعي كما هو الغالب صح وكذا الحال لو صالحه عليه بمال.
ثانيها: اشتراط سقوطه في متن العقد وإذا اشترط سقوطه بزعم كونه عشرة فتبين أنه مئة جرى فيه التفصيل السابق.
ثالثها: تصرف المغبون بائعاً كان أو مشترياً فيما انتقل إليه تصرفاً يدل على الالتزام بالعقد، هذا إذا كان بعد العلم بالغبن أما لو كان قبله فالمشهور عدم السقوط به ولا يخلو من تأمل، بل البناء على السقوط به لو كان دالاً على الالتزام بالعقد لا يخلو من وجه، نعم إذا لم يدل على ذلك كما هو الغالب في التصرف حال الجهل بالغبن فلا يسقط الخيار به ولو كان متلفاً للعين أو مخرجاً لها عن الملك أو مانعاً عن الاسترداد كالاستيلاد.
(مسألة 131): إذا ظهر الغبن للبائع المغبون ففسخ البيع فإن كان المبيع موجوداً عند المشتري استرده منه، وإن كان تالفاً بفعله أو بغير فعله رجع بمثله، إن كان مثلياً، وبقيمته إن كان قيمياً، وإن وجده معيباً بفعله أو بغير فعله أخذه مع أرش العيب، وإن وجده خارجاً عن ملك المشتري بأن نقله إلى غيره بعقد لازم كالبيع والهبة المعوضة أو لذي الرحم، فالظاهر أنه بحكم التالف فيرجع عليه بالمثل أو القيمة وليس له إلزام المشتري بإرجاع العين بشرائها أو استيهابها بل لا يبعد ذلك لو نقلها بعقد جائز كالهبة والبيع بخيار فلا يجب عليه الفسخ وإرجاع العين، بل لو اتفق رجوع العين إليه بإقالة أو شراء أو ميراث أو غير ذلك بعد دفع البدل من المثل أو القيمة لم يجب عليه دفعها إلى المغبون. نعم، لو كان رجوع العين إليه قبل دفع البدل وجب إرجاعها إليه وأولى منه في ذلك لو كان رجوعها إليه قبل فسخ المغبون، بلا فرق بين أن يكون الرجوع بفسخ العقد السابق وأن يكون بعقد جديد، فإنه يجب عليه دفع العين نفسها إلى الفاسخ المغبون ولا يجتزي بدفع البدل من المثل أو القيمة، وإذا كانت العين باقية عند المشتري حين فسخ البائع المغبون لكنه قد نقل منفعتها إلى غيره بعقد لازم كالإجارة اللازمة أو جائز كالإجارة المشروط فيها الخيار لم يجب عليه الفسخ أو الاستقالة مع إمكانها، بل يدفع العين وأرش النقصان الحاصل بكون العين مسلوبة المنفعة مدة الإجارة.
(مسألة 132): إذا فسخ البائع المغبون وكان المشتري قد تصرف في المبيع تصرفاً مغيراً له فإما أن يكون بالنقيصة أو بالزيادة أو بالامتزاج بغيره، فإن كان بالنقيصة أخذ البائع من المشتري المبيع مع أرش النقيصة، وإن كان بالزيادة فإما أن تكون الزيادة صفة محضة كطحن الحنطة وصياغة الفضة وقصارة الثوب، وإما أن تكون صفة مشوبة بالعين كصبغ الثوب، وإما أن تكون عيناً غير قابلة للفصل كسمن الحيوان ونمو الشجرة أو قابلة للفصل كالثمرة والبناء والغرس والزرع. فإن كانت صفة محضة أو صفة مشوبة بالعين، فإن لم تكن لها مالية لعدم زيادة قيمة العين بها فالمبيع للبائع ولا شيء للمشتري، وكذا إن كانت لها مالية ولم تكن بفعل المشتري كما إذا اشترى منه عصا عوجاء فاعتدلت أو خلاًّ قليل الحموضة فزادت حموضته، وإن كانت لها مالية وكانت بفعل المشتري، فلكون الصفة للمشتري وشركته مع الفاسخ بالقيمة وجه، لكنه ضعيف والأظهر أنه لا شيء للمشتري، وإن كانت الزيادة عيناً فإن كانت غير قابلة للانفصال كسمن الحيوان ونمو الشجرة فلا شيء للمشتري أيضاً، وإن كانت قابلة للانفصال كالصوف واللبن والشعر والثمر والبناء والزرع كانت الزيادة للمشتري، وحينئذ فإن لم يلزم من فصل الزيادة ضرر على المشتري حال الفسخ كان للبائع إلزام المشتري بفصلها كاللبن والثمر، بل له ذلك وإن لزم الضرر على المشتري من فصلها، وإذا أراد المشتري فصلها فليس للبائع منعه عنه، وإذا أراد المشتري فصل الزيادة بقلع الشجرة أو الزرع أو هدم البناء فحدث من ذلك نقص على الأرض تداركه، فعليه طم الحفر وتسوية الأرض ونحو ذلك، وإن كان بالامتزاج بغير الجنس فحكمه حكم التالف يضمنه المشتري ببدله من المثل أو القيمة سواء عد المبيع مستهلكاً عرفاً كامتزاج ماء الورد المبيع بالماء، أم لم يعد مستهلكاً بل عد موجوداً على نحو المزج مثل خلط الخل بالعسل أو السكر فإن الفاسخ بفسخه يملك الخل مثلاً. والمفروض أنه لا وجود له وإنما الموجود طبيعة ثالثة حصلت من المزج فلا مناص من الضمان بالمثل أو القيمة وإن كان خلطه بجنسه وكان مماثلاً له في الرداءة والجودة ففي الضمان بالمثل إشكال لإمكان ردّ بعض المبيع بعينه بل الأظهر ثبوت الشركة بحسب كمية العينين، وإن كان خلطه بالأجود أو الأردأ فيجري الإشكال أيضاً بناءً على ضمان المثلي بمطلق المثل كما عليه ظاهر بعض الأصحاب ولكنه ضعيف.
(مسألة 133): إذا فسخ المشتري المغبون وكان قد تصرف في المبيع تصرفاً غير مسقط لخياره لجهله بالغبن، فتصرفه أيضاً تارة لا يكون مغيراً للعين واُخرى يكون مغيراً لها بالنقيصة أو الزيادة أو بالمزج. وتأتي فيه الصور المتقدمة وتجري عليه أحكامها، وهكذا لو فسخ المشتري المغبون وكان البائع قد تصرف في الثمن أو فسخ البائع المغبون وكان هو قد تصرف في الثمن تصرفاً غير مسقط لخياره فإن حكم تلف العين ونقل المنفعة ونقص العين وزيادتها ومزجها بغيرها وحكم سائر الصور التي ذكرناها هناك جار هنا على نهج واحد.
(مسألة 134): الظاهر أن الخيار في الغبن ليس على الفور فلو أخّر إنشاء الفسخ عالماً عامداً لانتظار حضور الغابن أو حضور من يستشيره في الفسخ وعدمه ونحو ذلك من الأغراض الصحيحة لم يسقط خياره فضلاً عما لو أخّره جاهلاً بالغبن أو بثبوت الخيار للمغبون أو غافلاً عنه أو ناسياً له فيجوز له الفسخ إذا علم أو التفت.
(مسألة 135): الظاهر ثبوت خيار الغبن في كل معاملة مبنية على المماكسة صلحاً كانت أو إجارة أو غيرهما.
(مسألة 136): إذا اشترى شيئين صفقة بثمنين كعبد بعشرة وفرس بعشرة وكان مغبوناً في شراء الفرس جاز له الفسخ ويكون للبائع الخيار في بيع العبد.
(مسألة 137): إذا تلف ما في يد الغابن بفعله أو بأمر سماوي وكان قيمياً ففسخ المغبون رجع عليه بقيمة التالف وفي كونها قيمة زمان التلف أو زمان الفسخ أو زمان الأداء وجوه أقواها الثاني، ولو كان التلف بإتلاف المغبون لم يرجع عليه بشيء، ولو كان بإتلاف أجنبي ففي رجوع المغبون بعد الفسخ على الغابن أو على الأجنبي أو يتخير في الرجوع على أحدهما وجوه أقواها الأول، ويرجع الغابن على الأجنبي، وكذا الحكم لو تلف ما في يد المغبون ففسخ بعد التلف فإنه إن كان التلف بفعل الغابن لم يرجع على المغبون بشيء، وإن كان بآفة سماوية أو بفعل المغبون أو بفعل أجنبي رجع على المغبون بقيمة يوم الفسخ، ورجع المغبون على الأجنبي إن كان هو المتلف وحكم تلف الوصف الموجب للأرش حكم تلف العين.
الخامس: خيار التأخير: إطلاق العقد يقتضي أن يكون تسليم كل من العوضين فعلياً فلو امتنع أحد الطرفين عنه اُجبر عليه فإن لم يسلم كان للطرف الآخر فسخ العقد بل لا يبعد جواز الفسخ عند الامتناع قبل الإجبار أيضاً، ولا يختص هذا الخيار بالبيع بل يجري في كل معاوضة، ويختص البيع بخيار وهو المسمى بخيار التأخير، ويتحقق فيما إذا باع سلعة ولم يقبض الثمن ولم يسلم المبيع حتى يجيء المشتري بالثمن فإنه يلزم البيع ثلاثة أيام فإن جاء المشتري بالثمن فهو أحق بالسلعة وإلاّ فللبائع فسخ البيع، ولو تلفت السلعة كانت من مال البائع سواء أكان التلف في الثلاثة أم بعدها، حال ثبوت الخيار وبعد سقوطه.
(مسألة 138): الظاهر أن قبض بعض الثمن كلا قبض، وكذا قبض بعض المبيع.
(مسألة 139): المراد بالثلاثة أيام: الأيام البيض ويدخل فيها الليلتان المتوسطتان دون غيرهما ويجزي في اليوم الملفق كما تقدم في مدة خيار الحيوان.
(مسألة 140): يشترط في ثبوت الخيار المذكور عدم اشتراط تأخير تسليم أحد العوضين وإلاّ فلا خيار.
(مسألة 141): لا إشكال في ثبوت الحكم المذكور فيما لو كان المبيع شخصياً، وفي ثبوته إذا كان كلياً في الذمة قولان، فالأحوط وجوباً عدم الفسخ بعد الثلاثة إلاّ برضى الطرفين.
(مسألة 142): ما يفسده المبيت مثل بعض الخضر والبقول واللحم في بعض الأوقات يثبت الخيار فيه عند دخول الليل، فإذا فسخ جاز له أن يتصرف في المبيع كيف يشاء، ويختص هذا الحكم بالمبيع الشخصي.
(مسألة 143): يسقط هذا الخيار بإسقاطه بعد الثلاثة، وفي سقوطه بإسقاطه قبلها، وبإشتراط سقوطه في ضمن العقد إشكال، والأظهر السقوط والظاهر عدم سقوطه ببذل المشتري الثمن بعد الثلاثة قبل فسخ البائع ولا بمطالبة البائع للمشتري بالثمن، نعم الظاهر سقوطه بأخذه الثمن منه بعنوان الجري على المعاملة لا بعنوان العارية أو الوديعة ويكفي ظهور الفعل في ذلك ولو بواسطة بعض القرائن، بل وقوع المعاملة قبل ذلك وأخذه للثمن ظاهره أن الأخذ بعنوان الوفاء بالمعاملة والإغماض عن التأخير.
(مسألة 144): في كون هذاالخيار على الفور أو التراخي قولان: أقواهما الثاني.
السادس: خيار الرؤية: ويتحقق فيما لو رأى شيئاً ثم اشتراه فوجده على خلاف ما رآه أو اشترى موصوفاً غير مشاهد فوجده على خلاف الوصف فإن للمشتري الخيار بين الفسخ والإمضاء.
(مسألة 145): لا فرق في الوصف الذي يكون تخلفه موجباً للخيار بين وصف الكمال الذي تزيد به المالية لعموم الرغبة فيه وغيره إذا اتفق تعلق غرض للمشتري به، سواء أكان على خلاف الرغبة العامة مثل كون العبد اُميا لا كاتباً ولا قارئاً أم كان مرغوباً فيه عند قوم ومرغوباً عنه عند قوم آخرين، مثل اشتراط كون القماش أصفر لا أسود.
(مسألة 146): الخيار هنا بين الفسخ والرد، وبين ترك الفسخ وإمساك العين مجاناً، وليس لذي الخيار المطالبة بالأرش لو ترك الفسخ، كما أنه لا يسقط الخيار ببذل البائع الأرش ولا بإبدال العين بعين اُخرى واجدة للوصف.
(مسألة 147): كما يثبت الخيار للمشتري عند تخلف الوصف يثبت للبائع عند تخلف الوصف إذا كان قد رأى المبيع سابقاً فباعه بتخيل أنه على ما رآه فتبين خلافه أو باعه بوصف غيره فانكشف خلافه.
(مسألة 148): المشهور أن هذا الخيار على الفور ولكن الأقرب عدمه.
(مسألة 149): يسقط هذا الخيار بإسقاطه بعد الرؤية بل قبلها، وبالتصرف بعد الرؤية إذا كان دالاً على الالتزام بالعقد وكذا قبل الرؤية إذا كان كذلك، وفي جواز اشتراط سقوطه في ضمن العقد وجهان: أقواهما ذلك فيسقط به.
(مسألة 150): مورد هذا الخيار بيع العين الشخصية ولا يجري في بيع الكلي فلو باع كلياً موصوفاً ودفع إلى المشتري فرداً فاقداً للوصف لم يكن للمشتري الخيار وإنما له المطالبة بالفرد الواجد للوصف، نعم لو كان المبيع كلياً في المعين كما لو باعه صاعاً من هذه الصبرة الجيدة فتبين الخلاف كان له الخيار.
السابع: خيار العيب: وهو فيما لو اشترى شيئاً فوجد فيه عيبا فإن له الخيار بين الفسخ برد المعيب وإمضاء البيع فإن لم يمكن الرد جاز له الإمساك والمطالبة بالأرش ولا فرق في ذلك بين المشتري والبائع، فلو وجد البائع عيباً في الثمن كان له الخيار المذكور.
(مسألة 151): يسقط هذا الخيار بالالتزام بالعقد، بمعنى اختيار عدم الفسخ، ومنه التصرف في المعيب تصرفاً يدل على اختيار عدم الفسخ.
موارد جواز طلب الأرش:
لا يجوز فسخ العقد بالعيب في موارد وإنما يتعين جواز المطالبة بالأرش فيها:
الأول: تلف العين.
الثاني: خروجها عن الملك ببيع أو عتق أو هبة أو نحو ذلك.
الثالث: التصرف الخارجي في العين الموجب لتغيير العين، مثل تفصيل الثوب وصبغه وخياطته ونحوها.
الرابع: التصرف الاعتباري إذا كان كذلك مثل إجارة العين ورهنها.
الخامس: حدوث عيب فيه بعد قبضه من البائع ففي جميع هذه الموارد ليس له فسخ العقد برده. نعم، يثبت له الأرش إن طالبه. نعم، إذا كان حدوث عيب آخر في زمان خيار آخر للمشتري كخيار الحيوان مثلاً جاز رده.
(مسألة 152): يسقط الأرش دون الرد فيما لو كان العيب لا يوجب نقصاً في المالية كالخصاء في العبيد إذا اتفق تعلق غرض نوعي به بحيث صارت قيمة الخصي تساوي قيمة الفحل، وإذا اشترى ربوياً بجنسه فظهر عيب في أحدهما، قيل: لا أرش حذراً من الربا، لكن الأقوى جواز أخذ الأرش.
يسقط الرد والأرش بأمرين:
الاول: العلم بالعيب قبل العقد.
الثاني: تبرؤ البائع من العيوب بمعنى اشتراط عدم رجوع المشتري عليه بالثمن أو الأرش.
(مسألة 153): الأقوى أن هذا الخيار أيضا ليس على الفور.
(مسألة 154): المراد من العيب ما كان على خلاف مقتضى الخلقة الأصلية سواء أكان نقصاً، مثل العور والعمى والصمم والخرس والعرج ونحوها، أم زيادة مثل الإصبع الزائد واليد الزائدة، أما ما لم يكن على خلاف مقتضى الخلقة الأصلية لكنه كان عيباً عرفاً مثل كون الأرض موردا لنزول العساكر ففي كونه عيباً بحيث يثبت الأرش إشكال وإن كان الثبوت هو الأظهر.
(مسألة 155): إذا كان العيب موجوداً في أغلب أفراد ذلك الصنف مثل الثيبوبة في الإماء، فالظاهر عدم جريان حكم العيب عليه.
(مسألة 156): لا يشترط في العيب أن يكون موجباً لنقص المالية. نعم، لا يثبت الأرش إذا لم يكن كذلك كما تقدم.
(مسألة 157): كما يثبت الخيار بالعيب الموجود حال العقد كذلك يثبت بالعيب الحادث بعده قبل القبض فيجوز رد العين به. وفي جواز أخذ الأرش به قولان أظهرهما عدم الجواز إذا لم يكن العيب بفعل المشتري وإلاّ فلا أثر له.
(مسألة 158): يثبت خيار العيب في الجنون والجذام والبرص والقرن إذا حدث بعد العقد إلى انتهاء السنة من تاريخ الشراء.
(مسألة 159): كيفية أخذ الأرش أن يقوَّم المبيع صحيحاً ثم يقوم معيباً وتلاحظ النسبة بينهما ثم ينقص من الثمن المسمى بتلك النسبة فإذا قوم صحيحاً بثمانية ومعيباً بأربعة وكان الثمن أربعة ينقص من الثمن النصف وهو اثنان وهكذا، ويرجع في معرفة قيمة الصحيح والمعيب إلى أهل الخبرة وتعتبر فيهم الأمانة والوثاقة.
(مسألة 160): إذا اختلف أهل الخبرة في قيمة الصحيح والمعيب فإن اتفقت النسبة بين قيمتي الصحيح والمعيب على تقويم بعضهم مع قيمتهما على تقويم البعض الآخر فلا إشكال، كما إذا قوّم بعضهم الصحيح بثمانية والمعيب بأربعة وبعضهم الصحيح بستة والمعيب بثلاثة فإن التفاوت على كل من التقويمين يكون بالنصف فيكون الأرش نصف الثمن، وإذا اختلفت النسبة كما إذا قوم بعضهم الصحيح بثمانية والمعيب بأربعة وبعضهم الصحيح بثمانية والمعيب بستة ففيه وجوه وأقوال، والذي تقتضيه القواعد لزوم الأخذ بقول أقواهم خبرة والأحوط التصالح.
(مسألة 161): إذا اشترى شيئين بثمنين صفقة، فظهر عيب في أحدهما كان له الخيار في رد المعيب وحده، فإن اختار الرد كان للبائع الفسخ في الصحيح، وكذا إذا اشترى شيئين بثمن واحد لكن ليس له رد المعيب وحده بل يردهما معاً على تقدير الفسخ.
(مسألة 162): إذا اشترك شخصان في شراء شيء فوجداه معيباً جاز لأحدهما الفسخ في حصته ويثبت الخيار للبائع حينئذ على تقدير فسخه.
(مسألة 163): لو زال العيب قبل ظهوره للمشتري فالأظهر عدم سقوط الخيار، فيجوز له الرد مع إمكانه، وإلاّ طالب بالأرش.
تذنيب في أحكام الشرط
كما يجب الوفاء بالعقد اللازم يجب الوفاء بالشرط المجعول فيه، كما إذا باعه فرساً بثمن معين واشترط عليه أن يخيط له ثوبه فإن البائع يستحق على المشتري الخياطة بالشرط، فتجب عليه خياطة ثوب البائع. ويشترط في وجوب الوفاء بالشرط اُمور:
منها: أن لا يكون مخالفاً للكتاب والسنة ويتحقق هذا في موردين: الأول: أن يكون العمل بالشرط غير مشروع في نفسه كما إذا استأجره للعمل في نهار شهر رمضان بشرط أن يفطر أو يبيعه شيئاً بشرط أن يرتكب محرماً من المحرمات الإلهية. الثاني: أن يكون الشرط بنفسه مخالفاً لحكم شرعي كما إذا زوّجه أمته بشرط أن يكون ولدها رقاً أو باعه أو وهبه مالاً بشرط أن لا يرثه منه ورثته أو بعضهم وأمثال ذلك، فإن الشرط في جميع هذه الموارد باطل.
ومنها: أن لا يكون منافياً لمقتضى العقد كما إذا باعه بشرط أن لا يكون له ثمن، أو آجره الدار بشرط أن لا تكون لها اُجرة هذا مع تعيين الثمن أو الاُجرة وإلاّ فيكون من هبة العين أو المنفعة كما في قوله «بعته بلا ثمن أو آجرتك العين سنة بلا اُجرة» فإذا قبض العين الطرف الآخر فتكون من هبة العين أو تمليك المنفعة مجاناً.
ومنها: أن يكون مذكوراً في ضمن العقد صريحاً أو ضمناً كما إذا قامت القرينة على كون العقد مبنياً عليه ومقيداً به إما لذكره قبل العقد أو لأجل التفاهم العرفي مثل اشتراط التسليم حال استحقاق التسليم فلو ذكر قبل العقد ولم يكن العقد مبنياً عليه عمداً أو سهواً لم يجب الوفاء به.
ومنها: أن يكون مقدوراً عليه بل لو علم عدم القدرة لم يمكن إنشاء الالتزام به.
(مسألة 164): لا بأس بأن يبيع ماله ويشترط على المشتري بيعه منه ثانياً ولو بعد حين، نعم لا يجوز ذلك فيما إذا اشترط على المشتري أن يبيعه بأقل مما اشتراه أو يشترط المشتري على البائع بأن يشتريه بأكثر مما باعه والبيع في هذين الفرضين محكوم بالبطلان.
(مسألة 165): لا يعتبر في صحة الشرط أن يكون منجزاً بل يجوز فيه التعليق كما إذا باع داره وشرط على المشتري أن يكون له السكنى فيها شهراً إذا لم يسافر، بل الظاهر جواز اشتراط أمر مجهول أيضاً إلاّ إذا كانت الجهالة موجبة لأن يكون البيع غررياً فيفسد البيع حينئذ.
(مسألة 166): الظاهر أن فساد الشرط لا يسري إلى العقد المشروط فيه فيصح العقد ويلغو الشرط.
(مسألة 167): إذا امتنع المشروط عليه من فعل الشرط جاز للمشروط له إجباره عليه، والظاهر أن خياره غير مشروط بتعذر إجباره، بل له الخيار عند مخالفته وعدم إتيانه بما اشترط عليه حتى مع التمكن من الإجبار.
(مسألة 168): إذا لم يتمكن المشروط عليه من فعل الشرط كان للمشروط له الخيار في الفسخ وليس له المطالبة بقيمة الشرط سواء كان عدم التمكن لقصور فيه كما لو اشترط عليه صوم يوم فمرض فيه أو كان لقصور في موضوع الشرط كما لو اشترط عليه خياطة ثوب فتلف الثوب وفي الجميع له الخيار لا غير.
|
|